* التحية لهم جميعاً من المدير وحتى أصغر عامل، وللمنظمات الوطنية والأجنبية التي تشد من أزرهم، وتقدم ما يتيسر من مساعدات، ولأهل الإنسانية والخير الذين يعملون معهم في صمت ونبل لتوفير بيئة مناسبة لرعاية الأطفال، وحماية طفولتهم البريئة من المرض وصروف الدهر وقسوته عليهم!
* أحييهم على كل دقيقة.. وكل قرش، وكل آهة، وكل دفقة حب، وكل لمسة عطف، وكل قبلة، وكل (قلدة) عابرة يجدها أحد الأطفال فيشعر بعاطفة الأمومة التي حرم منها تسري في جسمه، ويحرك قدميه الصغيرتين بقوة تعبيراً عن سعادته الفائقة التي سرعان ما تتلاشى عندما يكبر شيئاً فشيئاً ويكتشف الحقيقة المؤلمة بأن البيت الذي يضمه ليس سوى (ملجأ)، مهما كان مكتوباً على اللافتة التي وضعت فوق بابه، أو ملائكة الرحمة اللائي يغمرن بالحب كل من حملته الأقدار اليه.
* (ملجأ).. يكشف الخداع الذي نمارسه على أنفسنا بادعاء الرحمة وانتشار قيم التكافل الاجتماعي في مجتمعنا، ويفضح القسوة التي تنضح بها أنفسنا، بإلقاء أطفال في جحيم اللجوء، مهما كان مرتدياً عباءة الرعاية والعطف!
* ولكي يتأكد لكم، كم نحن قساة، وظالمون، ومتعجرفون، وممتلئون بالزيف والخداع، أعيدوا قراءة الخبر المنشور بصفحات الحوادث وصحف الجريمة أمس بالقبض على عصابة لسرقة الأطفال وبيعهم في الخارج بمبلغ مائة وعشرين ألف دولار للطفل الواحد، واسألوا أنفسكم ما الذي يجعل عصابة تتخصص في سرقة الأطفال، وما الذي يجعل (سعر) الطفل مائة وعشرين ألف دولار في الخارج، بينما (المايقوما) مليئة بالأطفال، ولا أحد منا يكلف نفسه مشقة الزيارة فقط، دعك عن تقديم العون أو حماية طفل برئ من مأساة اللجوء!
* والإجابة أيها السادة المزيفون مثلي، أيها القساة، الذين تدّعون انكم قساوسة وأتقياء كما أدعي، هي ان هنالك في الخارج من يدفع مائة وعشرين ألف دولار أمريكي، ليحظى بطفل يغدق عليه مشاعر الحب والعطف الحقيقية، وليست المزيفة مثل مشاعرنا!
* ولا يهم ان يكون الطفل الذي يدفع فيه ذلك الثمن الباهظ، أبيض أو أصفر أو أسود، من السودان أو تشاد أو تايوان، قبيحاً أو جميلاً، فهو في نظره طفل برئ جميل يستحق الحب والعطف والحياة الطبيعية بعيداً عن حياة الملاجئ التي تبقى طعنة نافذة طول العمر!
* ولأن هنالك من يمتلئ قلبه بكل هذه الرحمة، ويمكن ان يدفع أي ثمن ليحظى بطفل، يحيطه بكل هذه الرحمة، فهنالك عصابة تتخصص في سرقة الأطفال المحرومين من حنان الأبوين!
* لو كنت المسؤول لمنحت تلك العصابة (وساماً) بدلاً عن السجن، ولو كنت (طفلاً) من أولئك الأطفال لتمنيت ان تختطفني هذه العصابة من جحيم الملاجئ والمجتمع الذي انتمي اليه، الى من يضمني الى صدره ويعوضني عن حنان الأم والأب، حتى لو كان في آخر الدنيا.
* أحتقر نفسي عندما أرى (المايقوما) قائمة بيننا، وأنا عاجز عن توفير الحياة الكريمة لطفل واحد من أطفالها، مجاناً، بينما يدفع من في الخارج مائة وعشرين ألف دولار أمريكي سعياً وراء الأجر.
* اللهم أرحمني من نفسي وممن حولي، ومن العار الذي يملأني!
drzoheirali@yahoo.com
مناظير – صحيفة السوداني – العدد رقم: 1159 2009-02-3