فنصيحتي لك أخي الحبيب، وجميع المسلمين مطلوبة طلب وجوب، حيث جعلها الرسول الكريم خلاصة الدين، كما رواه عنه صاحبه تميم الداري، في الحديث الذي رواه مسلم، وهو من أحاديث الأربعين النووية: “الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولرسوله، ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم”، وهذه النصيحة تتمثل في عدة أمور، مأخوذة من الكتاب والسنة.
وقبل أن أذكر لك نصيحتي بتفاصيلها أود أن تعلم: أن الضيق والسعة في الرزق مسألة نسبية، فكم من أناس يحسبون أنهم في ضيق، ولكن البركة تجعل ضيقهم واسعا، والقناعة بما رزق الله يكفيهم، والرضا بما قسم الله يغنيهم، والشاعر يقول:
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق
وفي الحديث: “ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس”.
ويقول الشاعر:
إذا كنت ذا قلب قنوع فأنت ومالك الدنيا سواء!
فهذه أول ما أنصحك ونفسي به، فقد تملك الكثير، ولكنه لا يقنعك ولا يغنيك، لأنك أبدا تقول: هل من مزيد.
وعلى كل حال، أبدأ ببيان الأسباب التي يوسع الله بها على الإنسان في رزقه الحلال، وهي كما يلي:
أولا: تقوى الله تبارك وتعالى:وهذه أول أسباب سعة الرزق وبركته، فقد وعد سبحانه المتقين بذلك، فقال في كتابه الكريم: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق:2-3]، وقال: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأعراف:96]، وقال تعالى عن أهل الكتاب: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}[المائدة:66]
وتقوى الله تكون بفعل ما أمر، والانتهاء عما نهى عنه وزجر.
ثانيًا: التوبة والاستغفار:فمن طبيعة الإنسان أنه ضعيف، كما قال الله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}[النساء:28]، لا ينفك عن التقصير والعصيان، والمخالفات، في ترك المأمور، وارتكاب المحظور، وإن من مخاطر الذنوب أنها سبب من أسباب حرمان الرزق والبركة فيه، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ الْعَبْدَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ” رواه أحمد وحسنه مخرجوه لغيره. وما حُرم اليهود من الطيبات إلا بسبب ظلمهم ومعاصيهم، قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[النساء:160-161].
ولكي ينجو الإنسان من هذه التبعات، ويحفظ عليه رزقه، ولا تضره المعصية، كان من الواجب عليه أن يلجأ سريعًا إلى ربه، تائبًا مستغفرًا نادمًا على ما وقع منه من ذنوب وخطايا، فالاستغفار يهدم الذنوب، والتوبة تَجُبُّ ما قبلها، كما أنهما سبب من أسباب الرزق، قال تعالى على لسان نبيه هود عليه السلام: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}[هود:52]. يقول ابن كثير: (أمر هود عليه السلام قومه بالاستغفار، الذي فيه تكفير الذنوب السالفة، وبالتوبة عما يستقبلون، ومن اتصف بهذه الصفة يسَّر الله عليه رزقه، وسهَّل عليه أمره، وحفظ شأنه) أهـ.
وقال سبحانه على لسان نوح عليه السلام: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}[نوح:10-12]. يقول القرطبي رحمه الله: (في هذه الآية والتي في هود دليلٌ على أن الاستغفار يستنزل به الرزق والأمطار) أهـ. ويقول ابن كثير رحمه الله: (أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم، وأسقاكم من بركات السماء، وأنبت لكم من بركات الأرض، وأنبت لكم الزرع، وأدرَّ لكم الضرع، وأمدكم بأموال وبنين أي: أعطاكم الأموال والأولاد، وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار، وخلَّلها بالأنهار الجارية بينها)أهـ.
وقد روى مطرف عن الشعبي أن أمير المؤمنين عمر خرج يستسقي بالناس، فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فقيل له: ما سمعناك استسقيت. فقال: طلبت الغيث بمجاديح السماء التي يستنزل بها القطر أي المطر ثم قرأ: “فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً”.
وشكا رجل إلى الحسن البصري الجدب، فقال له: (استغفر الله)، وشكا آخر الفقر، فقال له: (استغفر الله). وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال له: (استغفر الله). وشكا إليه رجلٌ جفاف بستانه، فقال له: (استغفر الله). فقالوا له في ذلك: أتاك رجال يشكون أنواعاً، فأمرتَهم كلهم بالاستغفار. فقال: (ما قلتُ من عندي شيئاً، إن الله تعالى يقول في سورة نوح: “فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً”
ثالثا: بر الوالدين وصلة الرحم:
وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة، منها:
ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله يقول: “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَأَنْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”. وما رواه البخاري أيضًا من حديث أنس بن مالك أن رسول الله قال: “مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ” رواه البخاري. وقد عنون البخاري رحمه الله على هذين الحديثين بقوله: (باب من بُسط له في الرزق بصلة الرحم).
وروى الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي أهْلهِ، مَثْرَاةٌ فِي مَالِه، مَنْسَأَةٌ فِي أَثَرِهِ” وقال مخرجو المسند: إسناده حسن. وصححه الألباني.
وروى الإمام أحمد أيضًا من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَيُوَسَّعَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُدْفَعَ عَنْهُ مِيتَةُ السُّوءِ، فَلْيَتَّقِ اللهَ وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ” وقال مخرجو المسند: إسناده قوي.
وفي الأدب المفرد: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (مَنِ اتقى ربه، ووصل رحمه، نُسّىءَ في أجله -وفي لفظ: أُنسيء لَهُ فِي عُمُرهِ- وَثَرَى مَالُهُ، وأحبَّه أهله).
فهذه جملة من الأحاديث، يتبين للمتأمل فيها، قيمة صلة الرحم، وثمراتها، والتي من أهمها: البسط في الرزق، والزيادة في العمر، ودفع ميتة السوء، ومحبة الأهل.
وأولى الناس بصلتهم هم الوالدان وذوو القربى، ثم الأدنى فالأدنى.
وتكون الصلة بأشياء كثيرة، منها: الإحسان إليهم، وزيارتهم، ومودتهم، والسؤال عنهم، وتفقد أحوالهم، وإعانة فقيرهم، واحترام كبيرهم، ومواساتهم في أحزانهم، ومشاركتهم في أفراحهم، كما تكون بالدعاء لهم بظهر الغيب، وحسن الظن بهم، وسلامة الصدر نحوهم، وإجابة دعوتهم، ودعوتهم إلى الهدى، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر. كما تكون أيضاً بالمال، وبالمساعدة والمساندة في الحاجات والضرورات.. ونحو ذلك.
رابعا: الإنفاق في سبيل الله:
وهذه من أهم أسباب سعة الرزق، وكثير من الناس فرط فيه، بدعوى الخوف من الفقر والفاقة، مع كثرة النصوص الواردة في الحض والحث على الانفاق في سبيل الله من الكتاب والسنة، ومن ذلك:
قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}[سبأ:39]، يقول ابن كثير رحمه الله: (أي مهما أنفقتم من شيء فيما أمركم به، وأباحه لكم، فهو يخلفه عليكم في الدنيا بالبدل، وفي الآخرة بالجزاء والثواب).
وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:267-268]
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: “قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم، أنفق أنفق عليك” رواه مسلم.
وقوله: “ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفا” رواه الشيخان.
فكل هذه الأحاديث تحثُّ على الإنفاق في وجوه الخير، وتبشِّر بالخلف من فضل الله تعالى على من أنفق، وترفع من شأن المنفق في القلوب.
خامسا: الإحسان إلى الضعفاء:
فهي من الأسباب التي يرزق الله بها العباد وينصرهم، وهذا ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث مصعب بن سعد رضي الله عنه، حيث رأى سعد أن له فضلاً على من دونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم” رواه البخاري. وعن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “ابغوني في ضعفائكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم” رواه أبو داود والترمذي وصححه الألباني. وفي قصة أصحاب الجنة الذين قصَّ الله خبرهم في سورة القلم العبرة والعظة.
سادسا: استحضار القلب في العبادات:ومن الأسباب التي يستجلب بها الرزق: تفريغ القلب للعبادة عند أدائها، ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: “إن الله تعالى يقول: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملاً صدرك غنى، وأسد فقرك، وإن لا تفعل ملأت يدك شغلاً، ولم أسد فقرك”، رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يقول ربكم تبارك وتعالى: يا ابن آدم، تفرغ لعبادتي أملأ قلبك غنى، وأملأ يديك رزقاً. يا بن آدم، لا تباعدني فأملأ قلبك فقرا، وأملأ يديك شغلاً” رواه الحاكم، وصححه الألباني.
ففي هذين الحديثين وعد الله تعالى مَنْ تفرغ لعبادته بشيئين هما: ملء قلبه بالغنى، ويديه بالرزق.
وليس في الحديث ما يدعو إلى البطالة وترك العمل، والانقطاع عن طلب الرزق، وإنما المراد أن يكون القلب حاضرًا أثناء العبادة، مفرغًا من الشواغل والهموم، التي تشغل العبد عن ربه تعالى، وحينها يستشعر القلب أنه يناجي مالك الأرض والسماء، فيستغني به عمن سواه، فيسعد القلب بالطاعة، وتكثر الحياة بالأرزاق.
سابعا: شكر الله على النعم الموجودة:ومن أسباب زيادة الرزق، هو شكر الله على النعم السابغة، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم:7]، فالشكر يقيد النعم الموجودة، ويجلب النعم المفقودة، وفي ذلك يقول عمر بن عبد العزيز: (قيَّدوا نعم الله بشكر الله، فالشكر قيد النعم، وسبب المزيد). ويكون شكر الله بإقرار القلب بالنعمة، والثناء باللسان على الله، واستعمال هذه النعمة فيما يرضي الله سبحانه.
ثامنا: الزواج:يقول الله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[النور:32]، ويقول عمر بن الخطاب: عجباً لمن لم يلتمس الغنى في النكاح، والله يقول: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}
تاسعا: المتابعة بين الحج والعمرة:ومن الأشياء التي جعلها الإسلام سببًا لنفي الفقر وسعة الرزق: المتابعة بين الحج والعمرة، ففي الحديث عن ابن عباس مرفوعا: “تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة” والحديث رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني.
والمتابعة بين الحج والعمرة لها معنيان عند العلماء: الأول: المتابعة بين الحج والعمرة بتكرارهما مرات لمن يستطيع ذلك. والثاني: أن يجعل أحدهما تابعًا للآخر واقعًا على عقبه، فإذا حج اعتمر، وإذا اعتمر حج.
عاشرا: الأخذ بأسباب الكسب:ولا يكفي ما سبق دون الأخذ بأسباب الكسب، فقد جرت سنة الله ألا ينال رزقه إلا بكدح وسعي، فمن جد وجد، ومن زرع حصد. يقول الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}[الملك:15]. فمن مشى في مناكب الأرض الذَّلول، أكل من رزق الله، ومن قعد وتقاعس – بلا عذر- كان جديرا ألا يأكل، إلا أخذًا من حق غيره من المشاة العاملين.
ولهذا دعا الإسلام إلى السعي والعمل، وحذر من البطالة والكسل. {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ}[الجمعة:10]، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: “ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده” رواه البخاري. وينفر من سؤال الناس تنفيراً كبيراً فيقول: “ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم”.
وجماع ذلك كله ما ذكرناه في البداية من تقوى الله بعمل الطاعات واجتناب المعاصي، فما استجلبت نعم الله بمثل الطاعة، وما محقت بركتها بمثل المعصية.
وأسأل الله عز وجل أن يمن عليك وعلى المسلمين برزق حلال طيب مبارك فيه. والحمد لله رب العالمين.
الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
ت.أ