بنات عمّها ما سمعوا بيها !!
التكافل والترابط الاسري بيننا كسودانيين، وحق الوصاية المكفول لكبار الاسرة على صغارها، تجعل من الترتيبات المتفق عليها بين العروسين قبل يوم الاحتفال بالزواج، مجرد (كلام هبوب ساي) لا بيودي ولا بجيب، وهذا ما اثبته عمليا تداعيات مجري الاحداث في يوم زواج (رنده) من رجل الاعمال وراجل المرة (عبد الجبار).
طوال أيام التحضيرات التي سبقت الزواج، عاشت (رنده) صراع التجاذب ما بين رغبة أسرتها التي تصادف هواها، بالفرحة وأقامة الاحتفال بعادات وتقاليد الزواج كاملة غير منقوصة، كما حلمت وتمنت منذ الصغر ليوم زواجها، من الفستان والكوشة، والجرتق ورقيص العروس، وبين تنظير (عبد الجبار) ومحاولته اقناعها بأن المبادئ لا تتجزأ، وانه لا يستطيع ان يقدم أي تنازلات وعليها الاكتفاء بعقد القران ودعوة الغداء.
قبل يومين من اليوم الموعود اكتظت دار اسرة (رنده) باهلهم من البلد .. نبحت الدلوكة، ووجت الزغاريد من افواه الامهات والحبوبات، وعند ظهيرة الجمعة تواتر وصول المدعوين للمسجد المجاور .. اعلنت اصوات الطلقات النارية عن اكتمال عقد القران فتعالت الزغاريد، ثم دارت صواني الطعام وتحلق المدعوين حولها، وبعد صلاة العصر نادى شقيق (رنده) على أمها الملخومة باكرام الضيوف وقال لها:
عبد الجبار قال خلاص ماشي يطلعوا ليهو العروس.
تداخلت اصوات نساء الاسرة كل تفتي برأيها وصاحت أم العروس في غضب:
يمرقوها والشمس لسه ما غربت؟ .. الغنّاية الجبناها عشان تغني ليها زي ما حكم علينا سيادتو، ياها ديك يا دوبا ما قعدت تتغدا .. والعروس ذاتا، لسه ما مرقت علي الناس عشان يشوفوها ويباركوا ليها .. لـ شنو الكلفتة واللهوجة دي يا بنات أمي؟؟ عشان راجل مرة وضايق السيرة والعديلة ما داير البت تفرح بي شبابا ؟!!
توتر (عبد الجبار) وبان على ملامحه الغضب، وقال لشقيقها عندما نقل إليه رغبة الاسرة في التريث حتى الليل:
على كل حال أنا حا أمشي وأجي بعدين أسوقا .. بالله خليهم يوروني بالضبط أجيها الساعة كم.
ردت أخوات العروسة نيابة عن أمها:
دايرين نربّها ونغني ياخ .. خليهو اليجي حوالي الساعة تسعة مرة واحدة.
قبل أن تنهي الغنّاية فاصلها الاخير، توقفت حافلة تحمل المطرب الواعد وفرقته والذي تبرع بإحضارها خال العروس الشاب المغترب، اصاب القلق والخوف (رنده) عندما سمعت صوت آلات الموسيقية وقالت لخالها الذي دخل عليها مهنئا:
يا خالي لكن انت عارف (عبد الجبار) متدين شديد وعندو راي في الغنا والحفلات.
أجابها خالها ضاحكا:
ما عايز اليحكم علي روحو .. مافي زول غصبو عشان يحضر الحفلة .. متى ما جا يسوقك ويدينا عجاج كرعينو .. أنحنا عايزين نفرح، مشتاقين للغنا والهجيج، ياخ شوفيني لي كم سنة ما رجعتا البلد ولا حضرتا لي حفلة؟!!
جلست (رنده) مقبوضة النفس على كرسي الجلوس المزين باغصان النخيل على صدر الخيمة، تعاني القلق والخوف من ردة فعل (عبد الجبار) عندما يحضر ويصدم بالحفل والغناء، بينما انشغل الجميع في الاستمتاع بالغناء والرقص .. تقدم نحوها خالها واشقائها في صحبة صديقاتها وشقيقاتها يبشرون .. جذبتها شقيقتها لتقف فأحاط بها الجميع وعلت الزغاريد .. تقدم الجمع نحو المطرب ورفعت (رنده) يدها المزينة بالاساور تبشر وقد اضاءت وجهها ابتسامة الفرح.
انتهى الحفل وانتصف الليل دون عودة (عبد الجبار) العريس .. بعد تفرق المدعوين تجمع أهل البيت والاقرباء يناقشون تأخر العريس في قلق وقد اخذت بهم الظنون كل مأخذ .. حاولوا الاتصال به إلا أن (لا يمكن الوصول إليه حاليا) حالت دون أن يفهموا من امر غيبته شيئا .. قبل ظهيرة الصباحية الحزينة حضر أحد اصدقاء (عبد الجبار) المقربيين .. جلس محرجا قبل أن يتمكن من القول:
أنا والله متأسف شديد للموقف ده .. لكن عبد الجبار طلب مني أعتذر ليكم واوصل ليكم الرسالة دي .. بيقول لـ (رنده): انا أمبارح جيت ولقيت الحفلة مدورة وانتي واقفة ترقصي وتبشري في الفنان .. رجعتا طوالي بدون ما أي زول يشوفني.
أصاب الجميع الوجوم والغضب فصاح شقيقها:
طيب مش كان يتكلم بدل ما يختنا في الموقف السخيف ده؟ .. أها هسي آخرتو شنو؟
قال الصديق في حرج:
والله هو ببلغكم إنو عفى رنده وطلّق !!
[/JUSTIFY]
منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]