جاءت الاحتفالات بعيد العمال هذه المرة في كل انحاء العالم مختلفة عن سابقاتها، ولعل السبب الواضح في ذلك ان عيد العمال جاء هذا العام متزامنا مع تداعيات الازمة الاقتصادية العالمية التي خلقت جيشا من العاطلين عن العمل على مستوى كل العالم ، فكان ان جاء الاحتفال عنيفا في انحاء متفرقة من العالم رفع خلالها عمال العالم رايات ألقيت ردحا من الزمن (ياعمال العالم اتحدوا)، وتزامن يوم العمال الذي حل أمس الاول مع أزمة اقتصادية عالمية طاحنة جعلت مئات الآلاف يفقدون وظائفهم في مختلف أنحاء العالم. ويقترن هذا اليوم غالبا بمظاهرات عمالية تؤكد مسيرة الكفاح الطويلة والمضنية التي خاضتها الطبقة العاملة للدفاع عن حقوقها التي قد تذهب بها رياح الأزمة المالية العالمية، وأدى الكساد الاقتصادي إلى عمليات تسريح واسعة للعمال في الاقتصاديات المتقدمة وارتفاع حدة البطالة ففي اليابان ارتفعت وتيرة البطالة إلى 4.8% بمعدل لم تشهده منذ 40 عاما، كما أعلن عمدة نيويورك في يوم العمال التخلي عن 3750 وظيفة حكومية إضافية خلال الأشهر المقبلة
ولعل الوضع البائس والمخيف الذي يعيشه عمال العالم اليوم كان الدافع القوي الذي جعلهم يواجهون عصي وهراوات الشرطة الغليظة مستدعين حكمة كارل ماركس ( ثوروا ولن تخسروا سوى اغلالكم )، فكان ان نزل المتظاهرون_ بحسب رصد لوكالات الانباء العالمية _ إلى الشوارع في عدة أنحاء من أوروبا في ظل أسوأ أزمة اقتصادية تعصف بالعالم أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة.ففي أثينا، تجمع المتظاهرون بهدف تنظيم مسيرات احتجاجا على سياسة الحكومة، فيما عمت الإضرابات قطاعات عدة شملت وسائل النقل العام والطيران.وفي العاصمة الأوكرانية كييف، انتقد منظمو التظاهرة العمالية المعايير الحكومية التي لا تحمي العمال في ظل الأزمة المالية التي تجتاح العالم.وفي برلين، تم توقيف 49 شخصا إثر مواجهات تقليدية بين متظاهرين وعناصر الشرطة لمناسبة عيد العمال.وفي اسطنبول، تصدت شرطة مكافحة الشغب التركية يوم الجمعة لآلاف المتظاهرين من نقابيين وناشطين، فيما كانوا يتجمعون احتفالا بعيد العمال العالمي،وقفزت البطالة في فرنسا بمقدار 63400 أي حوالي 2.5 مليون شخص في مارس، مع زيادة حادة في عدد الشبان الذين يبحثون عن عمل، واختفت أكثر من 440 ألف وظيفة في فرنسا خلال العام الماضي مع انتشار التراجع الاقتصادي، ويبدو ان روحي ماركس ولينين كانتا حاضرتين في تلك الاحتفالات التي تحولت الى مظاهرات عنيفة، فقد تظاهر نحو 2000 شخص في موسكو رافعين صور لينين،وتجمعوا عند تمثال كارل ماركس ملوحين بلافتات وأعلام سوفياتية، وأنشدوا أناشيد شيوعية. وفي السودان يبدو انه من المفارقة البينة ان يأتي عيد العمال متزامنا مع اعلان مجلس الوزراء البدء في خصخصة مشروع الجزيرة الذي سيحيل اكثر من 1600 عامل الى التقاعد، وهو القرار الذي اعتبره عضو نقابة المعاشيين، ابراهيم محمد أحمد الشيخ بالاجراء غير السليم ، وقال «نعارض توجه الحكومة بخصخصة المشروع ونعتبره تصرفا غير سليم»، مطالبا بإعادة النظر في القرار. ويقبل عدد مقدر من العاملين بخيار الخصخصة على مضض، جراء الأوضاع المأساوية والمتردية التي يعيشها المشروع الذي تبلغ مساحته مليوني فدان منذ سنوات، ويزيد عدد عمال المشروع عن 4700 عامل، افادت دراسة من بيت خبرة تركي بتخفيضهم الى 377 عاملا فقط. ولعل مايعيشه العاملون بمشروع الجزيرة هو بعض من الوضع المتردي الذي يعيشه بشكل عام العمال في السودان، ويرى الاستاذ محمد خوجلي من منظمة الحقوق ان الظرف الراهن هو اكثر الظروف التي شهدت تدهورا وتشريدا للعمال، وهو الظرف الاسوأ من حيث القوانين العمالية، ويرى خوجلي ان الحقيقة الخطيرة الان انه قد تمت خصخصة غير معلنة لوزارة العمل واصبح هنالك اكثر من 112 شركة خاصة ووكالات تعمل في الاستخدام الداخلي والخارجي، ويرى خوجلي ان ضعف تنظيمات العمال واحزابهم السياسية والتخلي عن مسؤولياتهم قد اسهم في هذا الواقع . وعلى الرغم من ان السودان من اقدم دول المنطقة التي تحققت فيها انتصارات عمالية على مستوى الحقوق العمالية الا انه من الملاحظ غياب المظاهر الاحتفالية بعيد العمال، فالسودان من اوائل الدول التي حققت انتصارا على مستوى التنظيم النقابي ، والقوانين ، والحقوق العمالية سواء في القطاع العام أو الخاص . ويلاحظ ان العمال حققوا انتصاراتهم من خلال اتحاد النقابات الذي اعتمد في عمله على انعقاد الجمعيات العمومية التي افرزت قيادات عمالية حقيقية من العمال، وقد خاض اتحاد نقابات عمال السودان نضالا كبيرا منذ عام 1949م حتى تم الاعتراف به عام 1968م، غير ان السودان بات لا يحتفل بهذا اليوم ويلاحظ الاستاذ كمال حنفي الكاتب المعروف تلاشي ظروف الاحتفال بعيد العمّال في السودان منذ زمن طويل… حتى غدا العاملون
أنفسهم لا يعرفون تاريخ هذا اليوم ولا دواعيه التاريخيّة ولا درجة حرارة طقسه الاحتفالي… وربما لا يصدّقون أنّه عيد . ويرى حنفي ان مرجعيات العمال فيما يبدو قد انقلبت فخاف العمال من الخصخصة خوفهم من انفلونزا الخنازير، ويبدو كمال حنفي معطرا ببيان كارل ماركس عندما يقول (وبعد أن مال ميزان العمل لصالح السوق على حساب الدولة صار احتفال عيد العمال (مسؤوليّة) السوق للاحتفال بالعمل لا بالعمّال، يحتفل بالعمل الذي أصبح عملة قابلة للتداول… العملة الجيدة فيه تطرد العملة الرديئة!!ا) وعلى ذات الطريق تسير الاستاذة امال عباس الكاتبة الصحافية المعروفة عندما تقول ان للعمال في السودان قضية ومشكلة، فالعامل يعاني مرتين ، يعاني في اطار معاناة الانسان السوداني العادي من الملاريا والدرن والسحائي والبوتاسيوم والخوف من انفلونزا الطيور واخيرا الخنازير.. ويعاني معاناته الخاصة.. معاناة تنظيمه النقابي واختلاط قضاياه مع قضايا المهنيين.. ومعاناة السياسات الاقتصادية والخصخصة الزاحفة وشبح التشريد والعطالة.. او بالأصح العامل السوداني يعيش ظلما داخل ظلم.. الظلم على الصعيد النقابي وعلى الصعيد الاقتصادي وعلى الصعيد السياسي.. وظلم خاص ومرير على صعيد الاسقاطات السلبية لسياسة الخصخصة الزاحفة والتي توالي دفعها بآلاف العمال الى الشارع العام بسبب بيع مؤسسات القطاع العام .
علاء الدين محمود :الصحافة