جمال الجمل: السودان.. هل تذكره يا جلالة الرئيس؟

التقيت الأسبوع الماضى بعدد من الزملاء الذين زاروا السودان فى مهام صحفية، وسألتهم كلا على حدة عن تقديرهم للوضع هناك، فتكلموا بحسرة شديدة عن صورة مصر والمصريين فى القطر الشقيق الذى كنا «حتة واحد»، لقد عتب عليهم المحبون أن مصر تقاعست كثيرا، وتأخرت كثيرا، ولم يعد لها الحضور الذى تمناه الشعب السودانى تمنى الحبيب لحبيبه، وهذا ما دعا بعض التيارات المناوئة لمصر – منذ ثورة المهدى ضد الإنجليز وما صاحبها من فهم خاطئ لتحرك جيش مصر (المحتلة حينذاك) للقتال ضد السودانيين، وهذا ما دعا تلك التيارات لتكثيف هجومها حتى تجرأت بإعلان إسقاط دور مصر، ليس على مستوى اللحظة الراهنة فقط، لكنهم سحبوا ذلك على الماضى ومدوه إلى المستقبل وأعادوا تكرار الاتهامات الساقطة التى لم تجد أرضا خصبة من قبل من نوع «الاستعمار المصرى للسودان»، لكن الخيبة كل الخيبة أن سياستنا المنكفئة والتابعة للبيت الأبيض أظهرت تجاهلا رسميا للوطن الأسود بحيث اتسعت دائرة من يعتب أو يهجم على مصر.. والله يجازى اللى كان السبب!

هذا نص ما كتبته عام 2009 منبها الرئيس مبارك، على طريقة «أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادى»،

وبعد سلسلة مقالات بدأتها منذ أسبوعين عن الثورة المهدية وتداعياتها، لم أجد ما يبشر بإصلاح الشقاق المخيف بين البلدين، القضية أكبر من جهود كاتب أيا كان إخلاصه ودأبه فى ردم الهوة التاريخية التى حفرتها سياسات استعمارية مجحفة.

الذاكرة مشوشة، ومثقلة بأعباء من الماضى والحاضر، تحتاج إلى مهارة فى تفكيكها، وخطة استراتيجية لإعادة بناء المستقبل فوق أرض من الثقة.

لذلك أعتذر عن عدم استكمال قراءة تاريخ الثورة المهدية، والتعرف على جذورها وامتداداتها، لأن استرجاع هذا التاريخ دون إطار موضوعى من الحوار الحر حول المستقبل المشترك لدولتى وادى النيل، قد يفضى بنا دون أن نقصد لتعميق الخلاف، وكشف الغطاء عن مشاعر سلبية كامنة منذ حقبة القبائل وحسابات الثأر، والنظرات الشوفينية المغلقة.

طبعا وصلتنى رسائل مباشرة من الأنصار، وقيادات فى حزب الأمة، وكتاب لا أعرف بدقة هوياتهم السياسية، واتصل بى مشكورا الأستاذ محمد زكى مدير مكتب الإمام صادق المهدى، وأخبرنى أن الإمام موجود فعلا فى القاهرة، وبالإمكان ترتيب موعد للقاء، وفكرت فى زيارته لطرح موضوع العلاقات الشعبية بين البلدين، لكن موجة من الواقعية التشاؤمية داهمتنى، فصرفت النظر عن الأمر كله، فمن العبث أن يتصدى فرد، لما يجب أن تهتم به دولة بمؤسساتها وإمكانياتها، ورؤيتها الاستراتيجية (إذا كان لديها رؤية)، فأنا مهما كانت نواياى لا أملك شيئا من المعلومات الضرورية لمثل هذا التحرك، فليس لدى معرفة بخرائط الاتصالات وتوزيع القوى، والأدوار السرية والمستهدف منها، وتوجه السياسة الخارجية المعلنة والمستهدف منه، وعلاقة ذلك كله بالسياسة الإقليمية تجاه إفريقيا، وتجاه الدول الكبرى الفاعلة فى القارة السوداء، وهى قوى ثقيلة لها مصالح كبيرة تبدأ من الاستعمار التقليدى وفى مقدمته فرنسا وانجلترا، ولا تتوقف عند الأمريكان، فقد وصل الأمر إلى الصين ودول آسيوية عديدة تبحث عن دور فى هذه القارة السحرية العجيبة.

وبناء عليه، أعيد نشر رسالتى القديمة للرئيس الجديد، لعله يستجيب، أو لعله يكون قد بدأ بالفعل، فلننتظر ونرَ.

جمال الجمل– صحيفة المصري اليوم
[email]tamahi@hotmail.com[/email]

Exit mobile version