لكن حتى إذا كانوا «قدر كلامهم»، فهذا لا يعني بالضرورة الالتزام بالمصداقية، لأن هناك معنى آخر هو أن انتصارات القوات المسلحة السودانية وروافدها مثل قوات الدعم السريع والدفاع الشعبي هي التي وضعت قادة الجبهة الثورية أمام هذا الخيار، خيار التوقيع على إعلان يخلو من التمسك بحمل السلاح. تريد الجبهة الثورية من خلال إعلان باريس أن تهرب من الميدان بطريقة مخادعة، ليظن الناس أنها وضعت السلاح من أجل الحل السلمي، لكن من يؤمن بالحل السلمي ليس هو من يعتدي على مناطق وأسواق المواطنين في أبو كرشولا وغيرها، والآن تتحدث الأخبار عن ظهور مرض غريب في أبو كرشولا هذه المدينة الصغيرة التي أشهرها «عار النضال» .. واللجنة الأهلية لمناصرة أهالي أبو كرشولا تحذر أيضاً من وقوع كارثة بيئية في المنطقة بسبب اعتداء العام الماضي عليها من قبل قوات الجبهة الثورية صاحبة إعلان باريس الذي ليست الحكومة طرفاً فيه، فهل نقول إن قادة الجبهة الثورية يريدون السلام ووضع السلاح بدون مقابل يتمثل في تقلد مناصب دستورية وكسب امتيازات؟! من يصدِّق. لكن إعلان باريس يمكن أن يكون واحداً من إفرازات انتصارات الجيش السوداني على بقايا الحركات المتمردة. وهذه المرة لم تتدخل القوى الأجنبية بقوة بعد هزيمة المتمردين لتحويل صورة هزيمتهم الى صورة «محبين للسلام والوحدة» كما فعلت مع جون قرنق. لكن السيد الصادق المهدي قد تبرع لمتمردي الجبهة الثورية بسيناريو الهروب من وصمة الهزيمة أمام الجيش.
لقد وقع مالك عقار على إعلان باريس الذي يتحدث عن وضع السلاح أرضاً واعتماد الحل السلمي يا أهالي أبو كرشولا، وصفق للإعلان عبدالواحد محمد نور بشدة يا تل أبيب. أما الصادق المهدي بدلاً من أن يعتبر تبرعه السياسي هذا أضافه الى الحوار الوطني، قال إن هذا الحوار مات وقبر في مقابر أحمد شرفي. إن الحوار الوطني بالداخل إذا مات بالفعل فهذا يعني ان الموت سيشمل أي حوار يأتي من الخارج – فما يُميت هذا سيميت غيره – وإذا سألنا السيد الصادق ما الذي أمات الحوار الوطني في الداخل؟! هل هي الإجراءات القانونية التي قام بها الجهاز العدلي في البلاد تجاوباً مع حقوق «الشاكي» الدستورية والقانونية والعدلية؟!
إذا كانت الإجابة بنعم فهذا شيء مؤسف، ويعني أن الحوار الوطني ثمنه هضم حقوق بعض الناس والجهات. فمن هو هذا ومن هو ذاك الذي يريد أن تعتدي الدولة من اجله على حقوق البعض؟!.. أن الحوار الوطني لا يمكن ان يمضي بالابتزاز، والدولة ليست مسؤولة من ضعف الأحزاب أمام التحديات، إن إعلان باريس إذا كان بالفعل يشير إلى التخلي عن الاعتداءات التي ظل ينفذها المتمردون في جنوب كردفان والنيل الأزرق منذ إعلان انفصال الجنوب، فإن باريس ليست هي المكان المناسب. وكان يمكن أن تستمر المفاوضات في أديس أبابا، ليكون إعلان أديس أبابا بين الحكومة وقطاع الشمال نواة لإعلانات أخرى مع بقية القوى السياسية.
صحيفة الانتباهة
ت.إ[/JUSTIFY]