> أقول هذا وأنا أرى كيف نعاني من رحمة أنزلت علينا من السماء، فالماء منزل إلهي تعهد الله جل جلاله بحفظه وإنزاله، الماء هو معين الحياة المادي كما يلعب القرآن المنزل أيضاً دور معينها الروحي!
> إحدى وسائل الحفظ الإلهي للماء هو السحب التي ينزل المولى عزّ وجل الماء علينا مدراراً فتحيا الأرض بعد موتها والموت هنا يعني العطش وجفاف الأرض، فتحيا الكائنات بسقوط الماء من السماء، وتنبت الزراعة والمرعى فتاكل كل كائنات الأرض وتستمر الحياة!
> نزول الماء على الأرض ينتظره كل مخلوق في الدنيا، وقد عرف الناس أول ما عرفوا ما يعرف بحصاد المياه، وأول حصاد شهده العالم كان في تلك الأعجوبة المعروفة ببئر زمزم والتي قامت بها السيدة هاجر عليها رضوان الله، فبعد أن قامت بقطع تلك الأشواط والتي كرمها الله بأن جعلها ركناً من أركان الحج، كانت تلك الأشواط عملية علمية يقوم بها كل باحث عن المياه، بإجرائها حتى يتكشف مكان الماء وتسمى علمياً بالجيوفيزيا، ولكن السيدة هاجر كانت تطبق بأمر الله جيوفيزيا إلهية وكانت النتيجة بئر زمزم تلك المعجزة الإلهية.
> السيدة هاجر كانت تقوم بعملية حصاد المياه وبيديها العاديتين، وكانت تقول زمي زمي وتحبس الماء من أن يتسرب وتشربه الرمال!
> واليوم تجد الامكانيات والآليات الضخمة بين أيدينا ولا نحصد ولا حتى نحاول، بل كلما يمكننا عمله هو أن نتخلص من المياه وكأنها عدو يتربص بنا شراً، فالماء الذي يحيي الأرض بعد موتها، لا يفعل هذا في السودان، بل يقتل الأحياء ويهد بيوتهم على رؤوسهم!
> في كل بلاد العالم ينتظر الناس موسم الأمطار بفارق الصبر، إلا في السودان، فهم يخشون ذلك الغيث المنزل من السماء رحمة، لأن في السودان لم يتواجد ذلك المسؤول الذي يهتم بالمياه وينشئ لها المصارف لتحملها إلى أماكن التخزين حتى يستفاد منها في زمن الجفاف!
> أستطيع أن أقول إن بالخرطوم وحدها وفي يوم واحد أنزل الله علينا الماء بما يعادل اثنين مليار متر مكعب، رقم مهول وضخم لو ترجم عملياً فهذا يعني زراعة مليون فدان مما نزل في الخرطوم وحدها وفي يوم واحد يكفي لزراعة هذه المساحة الضخمة وهذا ما عنته الآية الكريمة: «يحيي الأرض بعد موتها»!
> في ماليزيا واستراليا ومعظم دول آسيا يقومون بحصاد المياه حتى تلك التي تسقط على سقوف المنازل حيث تجمع كل هذه المياه في خزانات، وما يفيض من هذه المنازل يجمع في أنابيب خارج المنزل لتذهب في مجاري نظيفة ومغلقة بإحكام وتنتهي في منخفضات تشكل بحيرات صناعية بها محطات تنقية تقوم بتنقيتها وتعيدها للاستخدام المنزلي للشرب والأغراض الأخرى.
> البحيرات الصناعية إحدى أهم وسائل حصاد المياه وهي متواجدة في بلدان كثيرة مثل كندا وروسيا وأمريكا وغيرها، وهي تخدم البيئة خدمة كبرى حيث يقوم حولها غطاء نباتي يكون سبباً في زيادة معدل سقوط الأمطار فالأرض هناك لا تموت فهي في خضرة دائمة.
> في مثل هذا الموسم الغني بالأمطار تتنزل على السودان من السماء ما يعادل ألف مليار متر مكعب، نسبة المياه التي يمكن حصادها حسب معدل السريان وحسب نوعية التربة تكون ما بين خمسة إلى عشرة في المائة، وإذا أخذنا النسبة الأدنى خمسة في المائة نجد أن السودان يمكن أن يحصد ما حجمه خمسين مليار متر مكعب، وهذا يعادل ما يقرب من ثلاثة أضعاف نصيب السودان من مياه النيل.
> وحصاد المياه كان يمارس في شكل حفاير بواسطة الهيئة القومية للمياه، وكذلك في شكل سدود يستفيد منها الناس في الزراعة والرعي، وأكبر الحفائر هذه يصل حجمها إلى مائة ألف متر مكعب يشرب منها البشر والماشية وفي كثير من الحالات تبقى هذه الحفائر حتى موسم الأمطار الجديد، رغم أن المياه لا تجد أي نوع من عمليات الترسيب، ولذا كانت هذه الحفائر تعاني من عمليات الإطماء وتقل كميات المياه فيها بمرور الزمن.
> وبسبب عدم حصاد المياه رغم الكميات الضخمة التي تتنزل علينا من السماء إلا أن السودان يعيش في حال مزرية من الفقر المائي، ومشكلة السودان عموماً إذا سرحناها لوجدناها مشكلة مياه بالدرجة الأولى، فالماء الذي جعل منه المولى عزّ وجل كل شيء حي مفقود في السودان رغم وفرته، وهو يمثل الركيزة الأساسية للأمن القومي، وما تزعزع الأمن في دارفور إلا بسبب المياه وقد بدأ الأمن ينهار في دارفور في تلك السنوات التي عانى فيها السودان من الجفاف والتصحر، حيث بدأت كقضية أمنية تطورت إلى سياسية فأعجزت السياسيين الذين لا يرون أنفسهم إلا وزراء ورؤساء ولم يزاولوا وظيفة غيرها، فالرئيس في السودان إما مولود أو تمت صناعته بالبندقية، والعلم لا يجول بخاطر أي منهما!
> وحصاد المياه عملية يقوم بها أناس مختصون وذوو كفاءة علمية، ولا يكفي أن تعلن الدولة عن مشاريع وهمية كالنفرة الزراعية والنهضة الزراعية فتنهض البلد زراعياً هكذا بالأماني والأشواق، فالزراعة أساسها الماء فأين هو؟
> وتضيع الأموال سدى، وحتى إن لم يتم اختلاسها فضياعها هكذا فساد كبير وعدم وجود مصارف للمياه حتى يتم حصادها والاستفادة منهها هو كذلك فساد كبير هذا إذا افترضنا النزاهة وعفة الأيدي، فالذي يضيّع الأموال حتى وإن لم يتصرف فيها لأغراض ذاتية فهذا يعرف بالأخرق، والخراقة آفة أكبر من الفساد المتعمد.
> معلومات الإرصاد متوفرة حتى في الهواتف الذكية وفي مركز الارصاد العالمي في أديس أبابا، والذي كان من المفترض أن يكون مقره مدينة مدني كأنسب مكان في أفريقيا للإرصاد الجوي، ولكن البيروقراطية لم تقبل بأن تفرد لهذا المركز قطعة أرض في مدينة مدني تصوروا كان هذا في عهد مايو، واليوم أي معلومة نطلبها من المركز يجب أن ندفع مقابلها مبالغ طائلة في حين كانت ستأتينا مجاناً.!
> لهذا كنت ولا زلت أطالب بحكومة تكنوقراط، فقد أثبت عطالى السياسة فشلهم، أياً كان مذهبهم إسلامياً كان أم علمانياً فهم لا يجدون أنفسهم إلا رؤساء ووزراء دون إمكانات أومؤهلات، والدليل أنهم فشلوا في الاستفادة من الرحمة المنزلة من السماء فحولوها إلى نقمة.[/JUSTIFY]
الانتباهة
ي.ع