(1)
وأنت تدخل سوق حلة كوكو لأول وهلة من جهتيه الشرقية أو الشمالية، لابد أنْ يستقبلك الحدادون أو الصنايعية بأصوات آلاتهم وطرقها المتسارع. بجانب انهماك كلٌ واحدٍ منهم بجدٍ في عمله، بالدرجة التي لا يُلقي فيها بال لمنْ حوله. بعدها مباشرةً يستقبلك الباعة المفترشين بضائعهم على الأرض، وغالبهم من الصبية، يُنادون، بمباهاةٍ، على ليمونهم ونعناعهم.
تبدأ حركة سوق حلة كوكو في السادسة صباحاً، أو قبلها، وتمتد الحركة في ذات ضجيجها الى ما بعد مغيب الشمس. ويرتاد السوق العديد من الزبائن والروّاد من مناطق شرق النيل المختلفة: من أم ضواً بان، العيلفون، الحاج يوسف، سوبا شرق، كُترانج، وحتى تمبول بسهول البطانة.
وبالسوق العديد من الأنشطة والخدمات، حيث تجد الطواحين، وزرائب الفحم، والعديد من المطاعم الشعبية والحديثة، بالإضافة الى ورش السيارات لصيانة الأعطاب التى تلم بها.
(2)
كلما توغلت الى داخل السوق، وبالأخص زنك الخضار، يصبح الامر عسيراً نسبةً للإزدحام الكثيف للمواطنين، بجانب الطين والمياه بسبب الخريف. عبد الواحد طه أبو المعالي، رئيس شعبة الخضار بسوق حلة كوكو، قال لـ «ناس وأسواق»، إنّ سوق حلة كوكو، كان يُطلق عليه في السابق «سوق العرب»، أما سر التسمية، فأتتْ من كون غالب روّاده من عرب شرق النيل.
وأضاف أبو المعالي بأنّ السوق يعتبر من أقدم الاسواق بالعاصمة، إذ تمّ تشييده أواخر ستينيات القرن الماضي من الرواكيب التى يتم فيها بيع اللحوم والخضروات وبعض المستلزمات التى يأتي بها التجار فى ذلك الزمن. وأشار طه الى أنه كان يأتي للعمل بالسوق بعد انتهاء اليوم الدراسي لبيع الاكياس التى تعلّمها من الشايقية. وأضاف كثيرون عملوا بالسوق أذكر منهم الخضرجية أمثال: صديق الأمين التوم، محمد طلحة، سليمان أحمد الوضان، مصطفى عبد الله، عبد الباقي محمد الأمين، العوض الحسن، بلة أحمد، علي شيخ الدين، إبراهيم محمد عبد الله. أما تجّار الجملة فهم ابراهيم حاج العطايا وحاج الزبير وعمر هاشم وسليمان هاشم، عمر محمد العربي سليمان ابرهيم العمدة ومصطفى الجالي ومحمد احمد عبد الله وبدوي عربي وعلي العمدة واحمد بابكر وابراهيم البدوي والصديق عبد الله.
(3)
بجانب بيع الخضر والفواكه، توجد مطاعم، لأنّ قرى ومناطق شرق النيل تبعُد كثيراً عن العاصمة، وهناك من يأتي السوق عبر البر من سنار وكسلا وبورتسودان، لذلك توجد العديد من المطاعم. يقول عبد الواحد، أحد العارفين بالسوق وتاريخه، بأنّ أقدم المطاعم بالسوق مطاعم الصديق محمد العربي، سليمان جبور، علي محمد عبد الله، العاقب والجادو. وعن زبائن السوق قال أبو المعالي بإنّهم كثيرون، ومن كافة ألوان الطيف. من العسكريين، والصحفيين، والمهندسين، بجانب معتمد شرق النيل السابق ياسر الطيب الفادني.
وفي ختام حديثه كشف أبو المعالي بأنّ السوق تطوّر عن السابق، وتوسّع وامتد الى خارج حدوده من الزنك، ولفت الى ان السوق تنقصه الآن العديد من الخدمات التي تعيق حركة البيع والشراء أولها الامطار، إذ لا وجود لتصريف المياه الراكدة والتي تحول دون دخول الزبائن الى السوق كما كانوا فى السابق. كما ناشد المسؤولين عبر صحيفة حكايات- بأهمية الالتفات للسوق والمساهمة في تطويره.
(4)
وفى السياق قال علي شيخ الدين خضرجي يعمل بالسوق منذ انشائه- إن سوق حلة كوكو من أهم الأسواق بالعاصمة وخاصة قطاع شرق النيل وذلك قبل تشييد جسر (الجريف المنشية) الذي افقد السوق بعض زبائنه. واشار الى ان بداية عمله بالسوق كانت ببيع الليمون والشطة الخضراء والاكياس، التي تعتبر بمثابة الخطوة الاولى لكل تاجر يود العمل بالاسواق، ممثلاً التنقل في التجارة في السوق بالسلم الدراسي للذين يودون تلقي التعليم.
واضاف شيخ الدين: في السابق كنا نشتري الخضار من اصحاب المزارع مباشرة ولكن الآن صرنا نقوم بشرائه من السوق المركزي. ولفت شيخ الدين الى ضعف إقبال الزبائن مقارنة بالسنوات الماضية. وعزا عدم الإقبال لعدة اسباب اولها الباعة الجائلين الذين يفترشون الارض خارج السوق. مضيفاً أنّ عدم وجود ردميات بالسوق بسبب الامطار عرقل دخول الزبائن لشراء ما يحتاجونه من خضروات وفواكه وجعلهم يكتفون بالشراء من خارج السوق، مناشداً المحلية بعمل ردميات لتنظيم حركة السوق الذي صار مهزلة لكبار التجار إذ لا يتعدى دخل الفرد منهم الجنيهات العشر، وهو مبلغ ضئيل جداً.
(5)
من جانبه، قال محمد الجد محمد الياس لـ(ناس واسواق) إن السوق يعتبر واحداً من أكبر اسواق العاصمة كما اشار من سبقه بالحديث، مضيفاً بأنّ السوق تسوده هذه الأيام حالة من الركود بسبب عدم التنظيم. والكل يعمل على هواه خاصة الباعة الجائلين مما أدى الى توقف عمل التجار بالزنك الرئيسي، ولفت محمد الى ان الاسعار فى زيادة مضطردة ولا يعرفون لها سبباً محدداً، مؤكداً ان أهم السلع التى يشتريها الزبائن هي (الزيت والفاصوليا والعدس)، بحكم انها وجبات العديد من المواطنين في هذا الزمن، واوضح ان السوق في السابق كان منتعشاً طوال ايام الاسبوع بيعاً وشراءً.
اما الفكهاني عبد الباقي محمد الامين ، الذي يعمل بالسوق (من زمن الموية التي يتم نقلها «بالخُرج» _ وهو عبارة عن صفيحتين تملآن بالمياه من البحر وتوضعان على عصا طويلة يحملها الشخص على اكتافه)، مضيفاً بأن الفواكه كان يقوم بشرائها فى السابق مباشرة من أصحاب الجناين وحالياً من السوق المركزي، والموز من اكثر الفواكه التي يقبل عليها الزبائن ويليه البرتقال، اما المانجو فلا يقربها إلا القليل لغلاء اسعارها حالياً. وناشد محمد الامين بضرورة عودة الخدمات للسوق بجانب تنظيمه وتطويره وشكر رئيس اللجنة خالد البشير الطيب لتفقده وعمله الدؤوب بالسوق.
النيل البشير بلال، جزّار يعمل بالسوق منذ الثمانينيات، تحسّر في حديثه لـ «ناس وأسواق» على الحقبة الجميلة للسوق، حيث كان الجزار يذبح اكثر من عشرة بهائم (ضأن وعجالي) في اليوم الواحد، ولفت ان السوق لديه زبائن كثر من كافة المناطق بشرق النيل واخيراً انضم اليهم مواطنو الوادي الأخضر أصحاب الاقلام والموظفين.
(6)
دلفنا الى أقدم طاحونة بسوق حلة كوكو، حيث تحدث لنا صاحبها الشيخ حسن الخيار، مشيراً الى أنّ الطواحين كانت في السابق بالأحجار الكبيرة، وتختلف عن الأشكال الحالية، وعند تغييرها صاروا يستخدمون الونش لرفعها، والآن اختلفت الاحجام وبات استخدامها سهلاً لا يحتاج لونش. مضيفاً بأنّ الطواحين أنواع، منها الهندية والدنماركية والسودانية. واشار الخيار الى إنّ أقل زبون في السابق كان يقوم بشراء (شوال) دقيق بأكمله عكس الزمن الحالي الذي ارتفعت فيه اسعار الذرة والقمح فقلت كمية الشراء ، وتنتعش حركة البيع يوم الخميس والاعياد والمناسبات، وأنّ زبائنهم كثر، وأبرزهم الفنان صلاح بن البادية.
(7)
ازهرى محمد عمر سعيد، نائب رئيس شعبة تجار سوق حلة كوكو، أشار في حديثه لـ(ناس واسواق) الى تعاون محلية شرق النيل مع إدارة السوق، وبالاخص مدير الوحدة الادارية عماد رزق الذي يتفقد السوق باستمرار، باعتباره من اعرق الاسواق واقدمها بالعاصمة وشرق النيل.
وأشار أزهري إن السوق يفتقر لأقل الخدمات، ويحتاج الى ردميات ورصف للطريق بجانب الثلاجات لحفظ الخضر واللحوم والفواكه. ولفت سعيد لضرورة وجود إنارة وعمل موقف ثابت لأحياء (المزدلفة الوادي الاخضر). كما ناشد أزهري السلطات المسؤولة بضرورة إعادة افتتاح مركز صحي حلة كوكو، المتوقف لأكثر من عام، حتى يتسنى للمواطنين تلقي العلاج به، بجانب أهمية تأهيل مركز الشباب الواقع جنوب السوق.
رصد وتوثيق: ياسر مبارك: حكايات