ولكن هنا بدورنا نسأل: هل التأييد لمجرد المبدأ الذي حمله الإعلان وهو وقف الحرب أم للإعلان بكل بنوده؟إن المسألة ليست تأييدا أو معارضة ورفضا، وإنما هي أن تكون هناك خطوات عملية على الأرض تنعكس على أمن واستقرار المواطنين في المناطق التي تتحرك فيها قوات الحركات المتمردة وما جاورها، فالآن القوات المسلحة السودانية وروافدها ما زالت في حالة دفاع تدفع الدولة فاتورته التي كان الأولى أن تذهب بعد انفصال الجنوب إلى التنمية والخدمات الضرورية.
فإعلان باريس حتى ولو حمل كلمات رقيقة يعبر بها من وقعوا عليه عن نيتهم في التخلي عن المعارضة المسلحة وغير المسلحة فهو لا يعدو أن يكون حبراً على ورق.
لأن الطبيعي هو أن تكون الحكومة طرفاً في أية مفاوضات أو اجتماعات متعلقة بالشئؤون الأمنية والسياسية في البلاد. ولا أقول إن الحكومة عليها أن تقبل أو لا تقبل «إعلان باريس». فليس كل فقرات الإعلان مواكبة والحديث عنها ضروري في هذا الوقت الذي ينتظر فيه أبناء المناطق القريبة من قوات التمرد وقف الحرب ووضع السلاح للخروج من دائرة شظف العيش وانهيار الخدمات إلى أوضاع معيشية أفضل. وهذا ما لم يشر إليه الإعلان، وذلك لأن كرت الضغط الذي يحمله المتمردون على الحكومة هو إيذاء المواطنين وتدمير ونهب ما يملكون. فقادة التمرد على قناعة تامة بأنهم لا يستطيعون غير ذلك ضد البلاد.
وحتى لو استعانوا بأية قوة أجنبية لتغيير النظام، وبالفعل لو تغير النظام، فلن يكونوا هم الوارثين، بل إن أوضاعهم ستسوء أكثر، وسيترحمّون على نظام البشير. سيجدون أنفسهم أنهم فتحوا الطريق لطغمة حكم شرسة جداً، وها هي الآن قبل أن تصل إلى السلطة تبدأ بحرق الأضرحة. إن أي تدخل أجنبي لتغيير الحكم إذا راهن عليه المتمردون لن يكون لصالحهم، اللهم إلا إذا كان بفكرة مشابهة لفكرة وضعية كردستان العراق، وهذه الفكرة تضمنتها اتفاقية نيفاشا بخصوص وضعية جنوب السودان قبل انفصاله. فمنذ يوليو 2005م إلى يوليو 2011م كان جنوب السودان إقليماً مستقلاً عن جمهورية السودان في كل شيء حتى الضرائب والجمارك والقضاء والجيش والشرطة، كان في تلك الفترة فترة الست سنوات مثل كردستان العراق الآن.
والآن واشنطن المجرمة تحمي كردستان وحده من مشروع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، فهي قد صمتت حينما أخذت الدولة الإسلامية تتوسع بمزيد من السيطرة على المناطق العراقية، لكن حينما توجهت بقواتها الشرسة إلى أربيل في إقليم كردستان العراقي أقلعت الطائرات الحربية الأمريكية من قواعدها في الخليج العربي المستباح لضرب قوات تنظيم الدولة الإسلامية، وذلك حتى لا يتوقف تدفق النفط العراقي في كردستان في المستودعات الأمريكية بأسعار زهيدة مثل سعر الغاز المصري الذي يصدّر إلى إسرائيل.
المهم في الأمر هو أن أي إعلان أو اجتماعات أو مذكرات تفاهم أو مفاوضات بشأن أزمة سودانية لا تكون الحكومة طرفاً فيها، لا يمكن أن تجد إلى التنفيذ سبيلاً. ثم إن إعلان باريس الذي يعج بالمغالطات التاريخية والسياسية لا يمكن أخذه كله برمته في سياق حوار وطني للوصول إلى حل شامل يعيد الأمن والاستقرار للمواطن، وبالتالي تنتعش في منطقته التنمية وتتوافر الخدمات.
إعلان باريس نعم فيه الغث والسمين، وسمينه هو ما جاء في الفقرة الثالثة التي تحدثت عن وقف الحرب لصالح المواطن ولخلق جو للحوار. لكن هل ستنفذها؟! الصادق قال بدفن الحوار الوطني في مقابر أحمد شرفي، لكن هل ينتظر عابدين درمة جثة إعلان باريس؟
صحيفة الانتباهة
ت.إ[/JUSTIFY]