طه كجوك

ماجستير هندسة وطُفولة متأخرة..

ماجستير هندسة وطُفولة متأخرة..
مازلنا وسنظل نستمتع بطيبات أحلت لنا من غالي الموروثات التي توارثناها وسنورثُها لجيل اليوم والغد والتي ظلت صامِدة تُقاوم رياح المُتغيرات.. ومِن هذِه المورُوثات (التواصل الإجتماعي والمُجاملات) والتي مازالت تتغلْغل في دواخِلنا وتُشاركنا الحياة لتُحيلها إلى حياة عامرة بالمحبة والوئام.. وبما أن مُجاملاتنا نحن كسودانيين قد وصفها البعض بأنها مُجاملات مُفرطة أي أنها تأخذ طابِع المُبالغة ولكن قولُهم مردُود عليهم!! فمن تربي في السودان هو وحده الذي يعرف قيمة هذه المُجاملات والتواصل الإجتماعي.. حدثتني نفسي يوماً بزيارة أحد أصدقائي الذي يعمل مهندس مدنى، كنوع من التواصل وكسر روتِين العمل.. فذهبت ومعي صديق آخر لَِي وطرقنا الباب فكان في استقبالنا تلك الابتسامة والبشاشة التي تعودنا أن نتلقاها من أبناء أمتنا السودانية.. وبعد المُكوث وقتاً ليس بالقصير انحرفت دفّة الونسة أو كما يحلو لأهل الخليج (السواليف) وطافت سحائِبها في أودية الزمن الجميل الذي فرد لنا راحَتيّه وأمتعَنا بطيّبات وملذات أُحلت لنا من حلائل الطفولة، ولكن للأسف لم نكن نعلم أن التاريخ في ذاك الوقت كان يسجل تلك الأحداث والبسمات تضيء ثناياه العليا وكأنه يسخر منا لأنه يعلم أن هذه الأيام ستنطوِّي وتعقبُها حياة عملية عامرة بالعناء.. تسلل صديقي إلى خارج الغُرفة التي كنا نجلس عليها ثم عاد وبيده عُبوات من الآيس كر يم .. وليته كان أيس كر يم باسكن روبنز أو أقلاها بالفانيلا أو ….الخ.. كلا ولكنه أيسكر يم شعبي معبأ في أكياس نايلون!! تعجبت من هذا المنظر رغم أن المذكور قد أحسن ضيافتنا ولكن ؟؟ خلق هذا المنظر عشرات التساؤلات في ذهني !! وأخيراً انفجرت ضاحكاً وبدأت في وضع حلاً لزحمة تساؤلاتي فقلت له ما هو داعي هذا الايس كريم؟؟ تبسم ضاحكاً من قولي وهو يُحاول ثقب كيس الأيس كريم قائلاً: إننا افتقدنا في طُفولتنا الكثير مما ضمِنه هذا الزمن لأطفال اليوم!! فأي ذنب جنته طفولتنا حتى تُعاقب بالحِرمان؟؟ لقد ذابت طفولتنا ونحن نطارد أسراب الجراد وأبو الدُنان وذلك خلال دوامنا اليومي في رعي الأغنام فهو لا يتقيد بساعات عمل محددة بل يبدأ من شروق الشمس وينتهي بغروبها.. ولما طُويت طفولتنا وفُردت صحائف أعمالنا عندها ظهر الايس كريم وكان آخر التقليعات وللأسف لم يكن من نصيبنا.. والآن رغم أنف الزمان سنأخذ حظنا منه.. عزيزي.. اسعد نفسك طالما أسفر مخاض الطفولة التي كانت بين أسراب الجراد ورعي الأغنام بخلق إنسان يعرف كيف يتعامل مع الحياة والفضل لله ثم للبيئة التي تضع اللبنات الأولى لحياة الإنسان ..

طه كجوك – ثمرات من النخيل
[email]kjouk@hotmail.com[/email]