ومن بعد ذلك تعددت المبادرات لوحدة الصف الإسلامي لإنهاء الصراع الذي عُرف بـ»صراع القصر والمنشية، ولكن يبدو أن كل الجهود ذهبت بها حدة الخصومة بين الطرفين، التي وصلت إلى أبعد المراحل منها تبادل الاتهامات عبر وسائل الإعلام المختلفة والتراشق بالعبارات في شتى المنابر.
وفي الآونة الأخيرة طفت على سطح العلاقة بينهما بعض التصريحات التي كانت بذرة الشك الأولي في تقارب الوطني والشعبي بشكل قاطع، وذلك من خلال تصريحات العديد من قيادات المؤتمر الشعبي والتي سعى الأخير الى نفيها بصورة سريعة مما دعمت قوى الشك الأوسع لدى اغلب القارئيين للوضع السياسي الراهن.
هذه التصريحات التقاربية وصفها المحلل السياسي بروف صلاح الدين الدومة لـ «الإنتباهة» بقوله انه معروف وليس بالحديث الجديد او الاسرار غير المباحة، وأشار الى ان فيها تماهيا واندغاما بينهما واضحا للعيان مما اصبح حقيقة وواقعا ملموسا. واكد الدومة ان الشواهد على ذلك كثيرة منها حديث الأمين العام للشعبي د. الترابي فيما معنى قوله انه اذا تم تأجيل الانتخابات سيكون هناك فراغ دستوري، وهو ما يُعضد المؤشرات نحو التفسير الى تأييده الى قيام الانتخابات في وقتها، وأضاف صلاح أن أي حديث يطلقه المؤتمر الوطني يتبناه الشعبي بقوة وشراسة ليست بالمعهودة عنه.
خطوات التقارب كما يرى بعض المراقبين أنها خطوة إيجابية وليست عربون حوار بين الوطني والشعبي، الا ان العديد منهم كان يعتقد ان بعض قادة الشعبي عبارة عن صخور تتكسر أمامها آمال الإسلاميين في العودة من جديد، ولكن اتضح في الوقت القريب انهم اكثر القوى تلهفاً للتقارب وعودة الصفاء بين أبناء الحركة الإسلامية وهو ما ذهب إليه القيادي الشعبي في حديث سابق د. علي الحاج في المانيا بعد لقائه بالنائب السابق علي عثمان وتلميحاته البينة الى اقتراب التئام الشُقة بين الطرفين، وتلتها التصريحات المتعددة لقيادات الشعبي بأوان الالتقاء والتي لم تجد تأكيدًا او تحرّك ساكناً في الحزب الحاكم طوال الفترة الماضية مما تشير الى انها وجدت الهوى لديهم والارتياح.
كما ظل جديد الأيام منذ خطاب الوثبة الذي اعلنه رئيس الجمهورية يحمل في طياته ملامح التقارب في سماء العلاقات العدائية بين الحزبين، وتغير لهجة خطاب د. الترابي قبلها ولقاءه مع البشير يفتحان الكثير من الاستفهامات حول شكل العلاقة المستقبلية بين الخصمين، واعقبه قبول حزب المؤتمر الشعبي بدعوة الحوار التي اطلقها البشير بمبرر ايجاد مخرج من الأزمات المتفاقمة في البلاد، الا أن التحول المفاجئ في شكل العلاقة بين الحزبين يبين غير ذلك، باعتبار ان الازمة السودانية ليست وليدة اللحظة وان هناك أسباباً مستترة تدفع الطرفين للتقارب.
الا ان الاحداث التي تدور في العالم الإسلامي فرضت نفسها على الواقع السوداني كما يبدو، إذ يفسر بعض المراقبين ان الاندماج يعود الى الضغوط الدولية للتنظيم العالمي للأخوان المسلمين، ومنهم من يقول ان احداث ليبيا ومصر هي التي دفعتهم الى السعي للوحدة، بينما يرى اخرون ان السيولة الاقتصادية الحادة وتحول السودان الى دولة مأزومة في كافة الجوانب الاقتصادية والامنية والسياسية والاجتماعية هي السبب المباشر في التهافت والأشواق لالتقاء الفرقاء من جديد.
لعل التقارب الذي يفرض نفسه والذي يمكن وصفه بالمرغوب والمنكور في ذات الوقت، وما يحمله من أشواق لعودة التحالف بين الإسلاميين بعد ملامحه التي غازلت الفرقاء خلال العديد من اللقاءات الرسمية وغير الرسمية، يحوي الحلول الكثير من الآثار السالبة التي نجمت عن تجربة حكم فاقت ربع قرن من الزمان.
صحيفة الانتباهة
رباب علي
ت.إ[/JUSTIFY]