الأول: علاقة الدين بالدولة، إذ لم تستطع (الجبهة الثورية) أن تفرض رؤيتها (العلمانية) الداعية لفصل الدين عن الدولة في هذا الإعلان، فقد جاء فيه: (ناقش الطرفان بعمق علاقة الدين بالدولة كواحدة من القضايا الجوهرية، واتفقا على مواصلة الحوار للوصول لصيغة مرضية لكافة الأطراف). ويبدو واضحاً أن (الجبهة) استجابت لطلب السيد “الصادق” بتأجيل (حسم) هذه النقطة وصولاً إلى (منطقة توافقية) وحرصاً على عدم (نسف) الاتفاق بين الطرفين، إذ أن الإقرار العلني لـ (علمانية الدولة) يصيب (المركز الديني) للإمام “الصادق المهدي” في مقتل.
{ المحور الثاني: (إعلان باريس) خلافاً لميثاق (الفجر الجديد) لم يتضمن إشارة إلى (شرعنة) العنف والعمل المسلح، أو ما تسميه الجبهة بـ (الكفاح المسلح)، وتم التركيز على التغيير السلمي للنظام إما عبر (عملية دستورية) – الحوار – أو الانتفاضة الشعبية، وهذا تطور مهم يحسب لقدرة السيد “الصادق” (التفاوضية)، كما أننا لا يمكن أن نغفل الوضع العسكري (المأزم) لقوات الجبهة الثورية في كافة مناطق العمليات عقب (الغزوات) المتلاحقة لقوات (الدعم السريع) من دارفور إلى جنوب كردفان.
{ غير أن (الجبهة الثورية) استطاعت أن تُقر في (إعلان باريس) رؤيتها في ما يتعلق بمحاسبة النظام الحاكم، وذلك بتأكيد الإعلان على اتفاق الطرفين على (مبدأ عدم الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة والمحاسبة ورفع الظلم ورد الحقوق)، وهو يتناقض مع ما دعا إليه الإمام “الصادق” بشأن (العدالة الانتقالية) وتطبيق فكرة المصالحة والحقيقة والتراضي الوطني في حالة وصول الحوار الوطني إلى غاياته.
{ وقد يكون إقرار مبدأ (عدم الإفلات من العقاب) مناورة و(تاكتيك) لممارسة ضغط على النظام، يعقبه اتفاق (لاحق) على تسوية الخلاف الكبير في محور (المصالحة والعدالة). ومعلوم أن زعيم (المؤتمر الشعبي) دعا أثناء الحوار إلى التعافي والتراضي الوطني.
{ عموماً فإن (إعلان باريس) يمثل جرعة سياسية (معنوية) للطرفين – حزب الأمة والجبهة الثورية – وكلاهما في أمس الحاجة لها.
{ “الصادق المهدي” قلبه مع الحوار من الداخل، والدليل أنه سرعان ما هاتف الأمين السياسي للمؤتمر الوطني الدكتور “مصطفى عثمان” بعد يوم واحد من توقيعه على (إعلان باريس)، موضحاً رؤيته، ولكن “المهدي” غير مطمئن إلى نهاية حوار يجعل حزبه (الكبير) واحداً من جوقة (أحزاب صغيرة)، بعضها لم يسمع به أحد قبل دعوة (المائدة المستديرة) بقاعة الصداقة في السادس من (أبريل) الماضي!!
{ وبعد اعتقال “الصادق” لنحو شهر في سجن “كوبر” فإنه أيضاً في حاجة إلى إبلاغ الحكومة رسالة مفادها أن الخيارات أمامه مفتوحة، فلا تظنون أن الحبل مقطوع بيني و(الجبهة الثورية).
{ تستطيع الحكومة أن (تبطل) مفعول الإعلان ومشروع (التناصر الجديد) بإعلانها (الترحيب) به مع التحفظ على عدد من بنوده، كأن تثمن عالياً خلو الإعلان من أي دعوة للعنف والعمل المسلح، لكنها تستنكر تحميل (الإنقاذ) – وحدها – مسؤولية العنف في الحياة السياسية و(فصل) جنوب السودان، فالحركات المسلحة طرف أصيل في استجلاب العنف للحياة السياسية بالسودان، كما أن رئيس الجبهة الثورية، هو رئيس (قطاع الشمال) التابع للحركة الشعبية، وقد عمل (القطاع) بقوة داخل الكيان (الجنوبي) خلال السنوات الستة الانتقالية لتنفيذ المشروع (الانفصالي) الذي أثمر (دولة جنوب السودان). فيكف تبرئ (الجبهة الثورية) فصائلها من المشاركة المعلومة لجميع أفراد الشعب السوداني في (جريمة) انفصال الجنوب؟!!
{ وفي كل الأحوال، فإن طرفي (إعلان باريس) ليس بمقدورهما أن يفعلا شيئاً لتغيير النظام – على الأقل في الوقت الراهن – من غير الدخول معه في حوار.
– 2 –
{ ليس حميداً أن يتحدث البعض في (القروبات الإلكترونية)، باسم (المجلس القومي للصحافة والمطبوعات) ويقررون بالنيابة عن رئيسه البروفيسور العلامة “علي شمو” ونائبه (الحكيم) “محمد حامد البلة” وبقية أعضاء المجلس المحترمين، في أي شأن كان. وما أوردته (المجهر) بشأن قرار (لجنة الصحافة) التابعة للمجلس حول اعتماد ترشيح بعض رؤساء التحرير.. صحيح (مئة في المئة)، وإن حاول الأمين العام للمجلس الأخ “العبيد مروح” (تجميل) و(تذويق) القرار داخل تلك (القروبات)!!
{ وعلى أية حال، نحن – مبدئياً – ضد هذه الإجراءات واللوائح العقيمة لاعتماد رؤساء التحرير، فكم من رئيس تحرير اعتمدته (اللجنة) و(المجلس) فقط لأنه يحمل شهادة (بكالريوس) وخبرة (عشر سنوات)، بينما هو لا يستطيع إدارة (قسم)، ناهيك عن (رئاسة التحرير)، وكم من (رئيس تحرير) اعتمدته (اللجنة) في اجتماع واحد، وهو (مُستأجَر) لصحيفة رياضية أو اجتماعية لإكمال المظهر (القانوني) و(اللائحي) فقط، لكنه لا يفقه شيئاً عن الرياضة أو الجريمة أو حتى السياسة!!
{ صحافتنا تعاني أزمة في (رؤساء التحرير) ومديري التحرير ورؤساء أقسام (الأخبار) و(السياسة)، ولهذا فإن الأفضل أن يحافظ (مجلس الصحافة) على (القلة) التي توفر لها رصيد من (الخبرات) و(المعرفة) وعدم تعقيد إجراءات اعتمادها، لأنه ليس من السهولة بمكان (جمع) هذا (الرصيد) في ظل بيئة طاردة وأوضاع اقتصادية متردية تضرب قطاع الصحافة في (أساساته)!!
{ ثم إنه من (التسويف) بمكان أن يعتمد المجلس أحدهم رئيساً للتحرير قبل (ستة أشهر) بالاستثناء من أحد الشروط، أو بدونه، ثم يأتي ليرفضه في اجتماع آخر في ذات العام!! وهو ذات المجلس، والمرشح ذات المرشح، مع اختلاف الصحف، بل إن المرشح اكتسب خبرة (اضافية) قد تكون عاماً أو عامين أو أكثر في رئاسة التحرير.
{ ولهذا فإنني أقترح على أستاذنا البروف “علي شمو” وأعضاء مجلسه الموقرين أن يقروا تعديلاً (لائحياً) يمنح (اللجنة) حق الموافقة العاجلة لأي مرشح سبق وأن اعتمده (المجلس) رئيساً للتحرير، باستثناء أو بدونه، ما لم تكن هناك (نقطة سوداء) في ملفه (المهني) أو (الأخلاقي) ثابتة بإدانات متعددة في المحاكم، أو سوء إدارة أكدته تقارير (عدد) من الناشرين استخدموا المرشح في أوقات سابقة.
{ البكالريوس وخبرة (10) سنوات، لا تكفي لصناعة رئيس تحرير (ناجح)، وفي الساحة من التجارب العملية (الفاشلة) ما يكفي لتأكيد هذا الزعم.
المجهر السياسي
خ.ي