كثيرا ما يُظهر عابري الطريق امتعاضهم من طريقة لبس شابة، بحجّة أنه ضيق (مجبّص) أو قصير أو يكشف أكثر من ما يستر .. يُعبر المارة عن ضيقهم واستنكارهم لهذا المشهد بوصف تلك الفتاة بأنها (ما عندها ولي) أو بالتساؤل:
(دي بللاي طلعت من بيتهم كيف؟ .. أبوها ما شاف اللابساهو ده؟)
وبهذا يضعون اللوم كله على الأسرة وبالذات الأب، ولانعدام الرقابة التوجيهية على الابناء وبصورة خاصة على البنات في تصرفاتهن وطريقة لبسهن، وبوضع اللوم على الوالدين نكون قد تجاهلنا حقيقة أوضح من عين الشمس، الا وهي أن بنات الزمن ده بقن (أحرف من حرامي المولد)! ولهن أساليب وحيل شديدة البراعة والذكاء يستعين بها للهروب من عين الرقيب، ليضعن بتلك الحرفنة أسرهن وأوليائهن تحت مرمى نيران الشناف وشيل الحال.
يُصنف أولياء الأمور حسب وعيهم ومعرفتهم بعمايل البنات (المشوطنات) فقط – ولا نعمم – فالغالبية منهن هديّات ورضيّات .. اذن ينقسم أولياء أمور تلك الفئة المشوطنة إلى قسمين .. نصهم نايم في اضنينو أو قاعد في أضان طرش وهم فئة أولياء الأمور الـ (بره الصورة) .. ويعزى السبب في وجودهم بره الصورة للجهل وقلة التعليم أو لعدم التواصل مع العالم الخارجي، وبالتالي قد يفوتهم إدراك التحديات والمغريات التي تواجه شابة اليوم، والتغير الدراماتيكي في طريقة تفكير الشباب عموما ورفضهم للقيود والاساليب التربوية القديمة وميلهم الشديد لمتابعة الموضة والتقليعات، مع نوع من التوهان الفكري وفقدان الهوية والقدوة الحسنة التي صارت سمة من سمات شباب العصر.
أما النص التاني من أولياء أمور المتمردات على الأعراف، فـ شايف وعارف والكلام فايت قعر أضانو لكن غالباهو الحيلة، فـ اختار أن يرمي طوبة البت ويرتاح بحجة أن (العقلو في راسو بيعرف خلاصو) .. ولكن كيف له بالراحة مع يقينه بأن (همّ البنات للممات) ؟!
شكت لي أحد صديقات اللطائف من تعنت والدها ورفضه السماح لها مجرد وضع الكحل على عينيها عندما يأخذها معه في الصباح كي يوصلها للجامعة، مع أن جميع زميلاتها يتبارين على وضع أقنعة المساحيق والألوان على وجوههن، ويتنافسن ليس على التميز الاكاديمي بل على متابعة الصرعات وتقليعات الحلي والاكسسوارات، بينما يلزمها والدها بلبس القاتم من الألوان وتنحصر ألوان ملابسها ما بين البني والكحلي وكاكي الجيش .. شعرت بالتعاطف مع شكوى تلك الشابة الجامعية رغم تفهمي لوجهة نظر والدها فهو يريد منها التركيز على دراستها بدلا عن الانشغال بالامور الانصرافية ومحاولة لفت انظار الشباب بالمبالغة في الزينة واللباس، ولكن اللجوء لطريقة فرض الرأي والقاء الأوامر بدلا عن النقاش والحجة، تجعل البنت تخضع لرغبته بدون اقتناع فتشعر بالغبن ويلازمها الشعور بالدونية وبأنها أقل من زميلاتها.
وقد تلجأ للتحايل على القانون فتخرج من البيت بالصورة التي ارتضها لها، وما أن تصل للجامعة حتى تميل للحمامات أو الأستراحة فتعيد تشكيل هيئتها .. (خنصرة) و(مكيجة) و(كشكشة) وعندما يأتي أوان الرجعة للبيت فالماء والصابون كفيلين باعادة الأمور كما كنت ..
ربما تصيبك الدهشة لو قدر لك أن تبحث في حقائب البنات، حين تجد في داخلها (توب) أو غيار كامل (بنطلون جينز وبلوزة بودي معها تونك)، فقد تغادر البنت البيت ملفلفة بالتوب في أمانة الله، وعند أول منحنى تقوم بتطبيقه ووضعه داخل الشنطة ..
على كل حال دعونا لا نضع كل اللوم على أولياء الأمور، فمنهم من لو التقى بابنته (في المواصلات) بعد خروجها أمام ناظريه، لما استطاع التعرف عليها وذلك لاختلافها كليا عن الصورة التي خرجت بها من البيت .. وقد يقل عقله ويفكر في مغازلتها.
ما بعيد بتحصل !!
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com