غير أن هذا السلوك العدواني الأخرق سرعان ما توقف في الآونة الأخيرة وربما تساءل البعض عن سر توقف هذه الصواريخ السياسية الكاذبة، والواقع إن السر إنما يكمن في تغير المعادلة وجريان مياه كثيرة تحت أفواه تلك المدافع بحيث لم تعد هنالك من سانحة لكي يمارس الحلو ورفاقه هوايتهم العجيبة. فمن جانب أول فقد ارتفعت كلفة هذا العمل بإرتفاع كلفة ردة الفعل من جانب القوات السودانية، وهذه لغة ذات أبعاد عسكرية لا حاجة لنا للخوض فيها في هذه العجالة ولكنها باتت مفهومة بدرجة كافية لدى قادة قطاع الشمال بحيث لم تعد شيئاً قابلاً للتجريب والمغامرة!
الأمر الثاني إن القطاع الذي كان إلى وقت قريب يتخفى وراء ما يسمى بالجبهة الثورية ويباهي بأنه يقود زمام المبادرة، فقد قدرته على المحافظة على قواته، فقد عاد منها الكثير-بأسباب ودوافع مختلفة- إلى مناطق ذويهم رافضين لحرب ظلوا يصطلون بنيرانها بإستمرار ولا شيء يلوح لهم على الأفق، ففي كل يوم تتباعد المسافات بينهم وبين الوعود البراقة التي وعدهم بها قادة القطاع.
الأمر الثالث إن قوات الدعم السريع التي بات إسمها وحده يثير الفزع في نفوس جنود القطاع وهناك عشرات القصص التي تُحكى فى هذا الصدد ولا يتسع المجال لذكرها- استطاعت أن تصبح بُعبعاً مخيفاً لقوات القطاع كونها قوات تلقت تدريبات عالية المستوى خصيصاً للتعامل مع القوات المتمردة من كل نواحي التكتيك وفنون القتال المماثلة للطريقة التى يقاتل بها المتمردون، ويكفي أن نشير هنا إلي أن قوات قطاع الشمال اضطرت إلى الاتصال بالممثل الامريكي الكبير (جورج كولوني) للاستعانة به استخباراتياً عبر تقنية الأقمار الاصطناعية لوقف تقدم قوات الدعم السريع التي كانت وما تزال قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى آخر معاقل قوات القطاع والتي أصبح سقوطها فقط مسألة وقت لا غير.
الأمر الرابع أن قوات القطاع فيما تشير مصادر مطلعة قريب منها- تلقت نصحاً عسكرياً من خبراء أجانب بالكف عن القيام بأي تحركات أو هجمات والتركيز فقط على قيادة حرب دفاعية مستميتة للمحافظ على معاقلها فقط وهو نصح نابع من شعور واضح لدى الناصحين بأن المعركة شارفت نهاياتها وانه لا بد من الاحتراز حتى لا تسقط آخر المعاقل وينهار كل شيء.
وبطبيعة الحال فإن الحرص على عدم استفزاز القوات السودانية يبدو هو الهدف الأسمى هذه الأيام لدى قوات قطاع الشمال إلى حين توفر فرص أفضل للتفاوض مع الحكومة السودانية قبل الخوض في أي حرب خاسرة دون شك بالنسبة للقطاع. وعلى ذلك يمكن فهم طبيعة هذا الصمت المطبق على تلك المحاور والأنحاء، فالصمت دليل على نفسه!
سودان سفاري
ع.ش