يا حليلو الأب .. آخر من يعلم

[ALIGN=CENTER]يا حليلو الأب .. آخر من يعلم[/ALIGN] وقفت (ملاذ) تراقب الطريق بقلق وقد انحنت من فوق حاجز البلكونة، ثم عادت لداخل الغرفة ووجهت قولها لـ (نوسة) زميلتها في السكن الجامعي المخصص لطالبات أحد الأقاليم، وصاحبة الغرفة التي اختارت (ملاذ) بلكونتها لموقعها المطل على محطة المواصلات، كي تراقب منها عودة صديقتها (سندس) من مشوارها الذي خرجت إليه .. قالت (ملاذ) لـ نوسة وهي تعاود الخروج لمراقبة الطريق مرة أخرى:
كان في داعي سندس دي تحرق لينا أعصابنا كدي؟ من امبارح وهي عارفة انو ابوها قال جايي الليلة عشان يزورها وبعد ده شوفيها اتأخرت كيف؟
سألت (نوسة) وقد انتقل إليها القلق فخرجت خلف (ملاذ) للبلكونة ترصد الطريق بعينيها الواسعتين:
هسي يعني عمي بشرى جه برّا؟
أجابتها (ملاذ): برّا شنو؟ هداك قاعد في الاستقبال .. أنا دخلتو وقلتا ليهو سندس مشت الصيدلية وجايه.
– الليلا سجما .. هي مشت وين الشقية ما دام عارفا أبوها جاي؟
– قالت مواعدة حاتم عشان تلاقيهو في (النت كافي) وما بتقدر تشرو .. رغم انها قالت ما بتتأخر ساعة بس وترجع قبال أبوها ما يصل .. أنا عارفا حاتم ده العاجبا فيهو شنو؟ عامل اضنينو الذي طبق الدش ديل !
ظلت الصديقتان تتبادلان الاطلالة عبر البلكونة ومراقبة الطريق بالتناوب لأكثر من نصف ساعة، قبل أن تلوح قامة (سندس) الممشوقة وهي تتمخطر في دلال من أول الطريق وفي رفقتها (حاتم).
بحثت (ملاذ) عن حجر صغير حولها ثم قذفت به للطريق بكل قوتها وهمست تنادي على (سندس) بصوت منخفض حرصت، أن لا يصل لـ آذان عم (بشرى) الجالس بالاستقبال في (اضان طرش) .. انتبهت (سندس) لسقوط ودحرجة الحجر بالقرب من قدميها فرفعت رأسها تتبين مصدره.
احست بالصدمة عندما رفعت بصرها لتقع عينيها على صديقتيها تقفان في الأعلى وتشيران إليها بأيديهن لتتوقف قبل أن تصل لباب الداخلية .. خبطت بيدها بقوة على صدرها وشهقت من أعماقها وهمست بصوت مبحوح بالكاد وصل لاذنيي (حاتم):
سجمي .. أبوي جا !
ثم اعادت قولها بصوت أعلى وهي توجه كلامها هذه المرة لرفيقتيها في البلكونة، فأكدن لها ظنها:
أبوك جا يا حلوة .. وهداك قاعد في الاستقبال مستنيك.
استجمعت شتات نفسها بسرعة تحسد عليها لو كانت في غير ذلك الموقف، والتفتت إلى (حاتم) وقالت بلهجة آمرة وحاسمة:
خلاص انت أمشي ونتلاقى بكرة في الجامعة.
وعندما أحست منه التردد بسبب خوفه عليها من تبعات الموقف، لسابق معرفته بطبع والد محبوبته المتزمّت وتمسكه الصارم بالعادات والتقاليد، وذلك لكثرة ما حكت له (سندس) عن طباعه وعن الصعوبات التي واجهتها كي تقنعه بالسماح لها بالقدوم للعاصمة والدراسة فيها .. وكيف أنه قد تعود على مداهمتها بزيارات تفقدية يطمئن بها على حسن سير وسلوك ابنته في خرطوم الفيل.
حثت (سندس) (حاتم) على المغادرة بسرعة وأن لا يخاف عليها، ثم أشارت لصديقتيها أن يلقين إليها بـ (توب) وعلبة دبابيس ففعلن ذلك بعد أن لففن علبة الدبابيس داخل التوب!!!
قامت بمهارة وهدوء اعصاب بـ (تدبيس) فتحة الاسكيرت الضيق التي تكاد تصل لركبتيها بالدبابيس ثم شدت اكمام البلوزة إلى الاسفل حتى وصلت لاطراف اصابعها ثم لفت الثوب حول جسدها .. بعد الانتهاء من مراسم اعادة الحشمة للباسها أخرجت المرآة والمنديل من حقيبة يدها، ومسحت الـ (الميك أب) من على وجهها حتى صار نظيفا بريئا خاليا من المساحيق.
فعلت كل تلك الاجراءات على جانب الطريق دون ان تهتم بنظرات مجموعة شباب مروا بجوارها، ثم توجهت نحو بوابة الداخلية بخطوات ثابتة وهي تردد في خشوع:
(وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فاغشيناهم فهم لا يبصرون) !

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version