الحركات الدارفورية المسلحة التي قدر لها أن تلعب فى ملعب لم تألفه دفعت أثمان باهظة في تلك المغامرة الكبيرة وما تزال تعاني من تبعات ذلكم اللعب الخاطئ القميء. وربما نحاول هنا قدر الإمكان إعطاء اقل قدر من الصور المؤلمة لواقع هذه الحركات ليس بالطبع حرصاً على هذه الحركات -كونهم سودانيون وإن ضلوا طريقهم- ولكن لأن الأمر صعب على الاستيعاب والتصديق بكل المقاييس.
فحركة العدل والمساواة التي يقودها جبريل إبراهيم على سبيل المثال وبعد خصم الضحايا والمصابين والجرحى الذين سقطوا من بين صفوفها خاصة في المعارك التي شاركت فيها في ولاية الوحدة، وقد حرصت قيادة الحركة على إخفاء هذه الخسائر اخفاءاً تاماً- فإن من تبقي منهم عانوا من أمراض اعتبرت فى بعض مشافي كمبالا ونيروبي أمراضاً غامضة على اعتبار أن أمراض المناطق الحارة في أفريقيا ما يزال العديد منها حتى الآن مجهولاً بدرجة ما لدى خبراء الطب.
وتشير متابعاتنا إلى أن ثلاثة من كبريات المستشفيات في كمبالا استضافت ولنحو 8 أشهر حوالي 343 من مقاتلي الحركة أصيبوا بأمراض غامضة من المرجح أنهم أصيبوا بها إبان تواجدهم فى بعض معسكرات التدريب فى دولة جنوب السودان وأن هذه الأمراض ذات صفات معدية، وبالطبع لم تقف المأساة هنا فى أن الإصابات جمعيها غير قابلة للشفاء ولا تستجيب للعلاج، ولكن كانت المأساة أن قيادة الحركة تخلت عن مقاتليها هؤلاء حين أدركت أن لا شفاء مرجو، وفى نفس الوقت فإن تكلفة العلاج باهظة! وقد أفضى هذا الواقع إلى أن يصاب بقية جنود الحركة بذعر بالغ جراء ذلك إذ ربما يصيبهم المرض فى أي وقت وربما يكونوا قد تلقوا العدوى من رفقائهم فى وقت سابق.
هذا الوضع رغم حالة التكتم المهولة المضروبة عليه- بدأ يدفع بعض الجند في الحركة للبحث عن مهرب فيما يقول بعض متمردي جنوب السودان إن ما لحق بهؤلاء بمثابة (لعنة) شهيرة فى أساطير وتراث قبائل بعض المناطق فى دولة الجنوب.
حركة جبريل إبراهيم الآن يتناقص عدد أفرادها المقاتلين بمتوالية ومعدل متسارع للغاية وإن لم يكن يبد ذلك واضحاً بشكل من الأشكال. وبالطبع لن يصدق البعض أن زعيم الحركة نفسه وجم حين علم بحقيقة ما أصاب جنوده وما قد تسفر عنه الأيام المقبلة، كما لن يصدق البعض الآخر إذا علم أن حركة جبريل الآن نقص عدد أفرادها إلى ما أكثر من الثلثين -فى عام واحد فقط- في ظل وجود صعوبات حقيقية فى إمكانية تجنيد جنود جدد.
أما حركة مناوي فحدث ولا حرج فبالإضافة إلى إصابة بعض جنوده هو الآخر بذات المرض المفزع مع أنه لم يتسنَّ الحصول بعد على إحصائية للعدد المصاب؛ إلا أن تخفِّي حركة مناوي فى مناطق قريبة من الحدود، ومنع الهواتف النقالة وسط قادة وجنود الحركة، ومن الحديث عن أيّ شيء يخص الجنوب إلا بواسطة مناوي وحده يشير إلى أن ما يجري داخل حركة مناوي يثير الفزع.
وتقول مصادر مطلعة هاتفتها (سودان سفاري) فى مناطق حدودية قريبة إن الحركتين أصبحتا تراهنان على أيّ عمل سلمي عبر اتفاقية سلام تشرف عليها الدول الغربية الكبرى، في الرهان الوحيد لأن القاتل لم يعد ممكناً على المدى القريب، ولكن الدول الغربية نفسها تخشى من أن تقترب من هاتين الحركتين اللتين يتشكل معظم قادتها من إثنية الزغاوة وتضم بعض الذين كانوا في السابق ضمن التيار الإسلامي العريض.
وعلى كل فإن الثمن الذي يتعين على هاتين الحركتين دفعه يبدو مناسباً مع الفظائع التي ارتكبوها ضد المواطنين الجنوبيين قبل أشهر خلت في ظل محاولة هاتين الحركتين على الحصول على مزايا سياسية لدى الحكومة الجنوبية وأموال ودعم لوجستي، تحول فى خاتمة المطاف إلى سم زعاف!
سودان سفاري
ع.ِش