معارضة المغبونين !
النكتة الشهيرة التي تنسب مرة للشيخ الشعراوي وأخرى للشيخ كشك_ وكليهما ظريف خفيف الدم _ تقول :إن أحدهم سأل : يا شيخ ، هل يقع الطلاق اذا طلق الرجل زوجته وهو غضبان؟
ردعليه الشيخ : وهو يا ابني في حد بطلق زوجته وهو فرحان؟
النكتة المطلة علينا اليوم ليس لورودها هنا، أية صلة بآراء العلماء حول طلاق الغاضب ، وانما «شرفتنا» هنا مدخلا لقضية باتت تتداولها مجالس المدينة ، أتت وسيلةً من وسائل الدفاع الدعائية التي تدغدغ الوجدان وتعزف علي أوتار العواطف «الساذجة»، تلكم هي ظاهرة «رش» المنتقدين والداعين للاصلاح بالانتهازية والمصلحية وكونهم لم يقوموا بذلك إلا لأنهم «مغبونين»!
الحقيقة أن أي انسان يعمل في مجال العمل السياسي_وما أبرئ نفسي_ يسعي للوصول لأعلي المناصب وأرفع الدرجات القيادية ، وإن لم يكن كذلك فهو شخص بلا طموح وعليه البحث عن دوره في الحياة عبر وسائل صالحة أخري، فطريق السياسة يوصل إلي «ميس» المناصب، فاذا خسر السياسي موقعا أو خرج من نظام فغالبا ما يسلك أحد مسلكين : إما المحاولة المتكررة للعودة _منتصرا_ للميدان السياسي واستخدام كل السبل المشروعة لتحقيق ذلك ، بحسبان أنه خسر معركة ولم يخسر حربا، أو اعتزال العمل السياسي و اتخاذ طريق آخر : طريق «هو اليجز ومرتو التهز»!
وبما أن الأمر كذلك فإن الحديث عن «مصلحيين» أو «مغبونين» يصبح فكرة «مثالية» تتداولها أوساط السذج والبسطاء ويضحك بها _و عليها_ المحترفون السياسيون ودهاقنة «الصيد» السياسي و «نصابو» المناصب السياسية!
منتهي «البراءة» ، ومنتهي «الروعة» ، هذه الفكرة حينما تقرأ من الزاوية المعاكسة ، فالدافع هنا عند «المغبونين» هو المصلحة الشخصية ، والدافع هناك عند الحاكمين «المتجردين» «الزاهدين» ، هو المصلحة العامة والعبادة والتقرب إلي الله وقبول «الابتلاء» في سبيل الله، فهي «لله، هي لله»، لا للمال ولا الشركات ولا القصور ولا «للسلطة ولا للجاه»!
منتهي «الإبداع» في الفكرة ، حينما تجدها تهزم بعضنا ،وكأن طلب المناصب _عندنا _ منقصة يجب أن يتبرأ منها الناس ، وكأننا نحن _معشر المجددين للعهد الاسلامي الراشد_ لا نعطي الأمارة من طلبها ونحن نزهد فيها زهد الحجاج في تبالة ونداولها بكل شفافية !
إن الوجدان «الفطير» لا يصلح للعمل السياسي و لا ينبغي أن يكون أصحابه من أهل«ساس يسوس» ، ولاشك أن مطلقي هذه الأفكار من أقوي الناس عودا وأصلبهم قناة ، ويدركون كيف يصنعون «الدعاية» ويستخدمونها لاستدرار عطف الأتقياء الأنقياء وبعض الحمقي والمغفلين النافعين!
ياصديقي: علينا ألا نغفل مقولة أبي جعفر المنصور: «كلكم يمشي رويدا، كلكم طالب صيد ،غير عمرو بن عبيد»، ومادام الأمر كذلك ، وعمرو بن عبيد ليس من بيننا ولا يتولي أي «أمانة» من أماناتنا ،أو وزارة من وزاراتنا، فإن ما يصوره البعض سبة يرمي بها الآخرين أمر طبيعي ومشروع في العمل السياسي ، فعله هو ذاته _أو سيفعله_ يوما ما ، ولذا فعلينا ترك «المثالية» النفاقية الكاذبة والتعامل بواقعية وصدق لنحل المشكلات بوعي سياسي لا نلجأ فيه لدغدغة وجدان العوام أو نستخدم الأسلحة الصدئة النتنة التي لا تشبه الرجال الخلوقين ،فهي _حالياً_ لا تصمد كثيرا أمام الواقع المكشوف والحصاد المرير الداعي للاصلاح والتغيير ،اللهم إلا اذا كنا في سكرة سلطوية من النوع «أبوكديس» أو «أبودقن»!
وماله لو انتفض المغبونون وعارضوا ودعوا للاصلاح؟
هو يا ابني في حد بعارض عشان فرحان؟
[/JUSTIFY]
حلو مر – د. فتح الرحمن الجعلي
صحيفة الصحافة