عمنا «عمر» رجل ظريف ، وريحانة مجالس ظل يعطر مجالسنا بالجريف غرب في الثمانينات بروحه الطيبة ونوادره التي لا تنتهي، روى لي ذات مرة أنه حينما افتتحت المدرسة الارسالية بالجريف غرب في الأربعينيات ، كانت سنه صغيرة وكان يدرس بالخلوة شأنه شأن كل أبناء ذلك الجيل، قال: وبعد أن افتتحت المدرسة ذهبنا جميعا للدراسة بها معجبين بجديدها ، وبعد أيام من ذهابنا جاء إلينا شيخ الخلوة بالمدرسة واستأذن«الأفندي» ،ثم قال : «يا أولاد أي زول يقرأ في مدرسة الكفر النصاري أمو طلقانة»، قال: خرج معظم التلاميذ الذين سمعوا هذا الموضوع وهرعوا نحو الخلوة، وبقيت أنا.
وبعض أقراني، وفي نهاية اليوم ذهبت البيت ورويت لأمي ما حدث ، وسألتها عن رأيها، فقالت لي: ياولد أمشي أقرأ قرايتك أبوك ميت ليه تسعة سنة وإن داير يطلقني اللطلقني!
تذكرت هذه القصة بين يدي قرار لجنة المحاسبة التي يرأسها الأخ أحمد ابراهيم الطاهر المكونة لمحاسبة بعض أعضاء المؤتمر الوطني الذين رفعوا مذكرة للسيد رئيس الجمهورية ، مبدين وجهة نظرهم في بعض القضايا السياسية !
القرار الذي قضى بتجميد عضوية بعض أعضاء المذكرة ، يعتبر قراراً غريبا وجديدا علي أدبيات الممارسة السياسية للاسلاميين، ولكنه خطوة ايجابية لاحداث حراك في الساحة السياسية الجامدة في جانب الممارسات التنظيمية ،كما أنه سيتسبب في أقوى حراك نقدي واصلاحي داخل المؤتمر الوطني فهذا حزب تسمح أدبياته المتفق عليها _ على الأقل نظرياً _ بابداء الرأي ووجهة النظر ،وهذا الأمر سيدفع كثيرا من الأعضاء لممارسة هذا الحق بعد أن تنازلوا عنه بروح «الفضل» والظروف المحيطة ونظرية «الخطر المحدق»، فقد وصّح القرار أن «الحق حق والفضل فضل» ، و«حلق» هذا القرار، لرموز كبيرة حلاقة تقتضي أن يبل الجميع رأسهم، مع حتمية أن يسرع الناس بالعمل لتكون «الحلاقة» جيدة و«نظيفة» وغير انتقائية!
جميل للغاية أن تكون هنالك محاسبة ولكن الأجمل أن تطال كل المستويات وفي كثير من الموضوعات، دون مفاضلة بين عربي أو أعجمي أو أبيض أو أسود أو شرقي أو غربي أو شمالي أو جنوبي!
جميل للغاية أن تجمد عضوية بعض الأعضاء، لكن الأجمل افساح المجال للدفاع والاستئناف وأن يكون صدر القيادة متسعا لقبول الرأي الآخر فهذا حزب سياسي لا منظمة عسكرية أو مؤسسة تجارية يحدد مصلحتها مالكها.
قلت :ياصديقي، ما رأيك لو تقدمت بطلب تجميد عضويتي بالمؤتمر الوطني لمدة اسبوعين ، تضامنا مع المجمدين، وتعبيرا عن أننا صرنا حزبا راقيا ومتقدما في الممارسة الديمقراطية وأصول العمل السياسي؟ هل ستفعل مثلي و«تتبرع» بتجميد عضويتك مدة اسبوع تضامناً مع هؤلاء الاخوان؟
قال : موافق، فأنا أصلا في «الرصيف» لي تسع سنوات ، وما فارقة معاي ولو كانت نتيجة هذا التضامن مجلس محاسبة فأنا مستعد، وكان دايرين يجمدوني اللجمدوني، يعني زي طلاق أم عمك عمر!
[/JUSTIFY]
حلو مر – د. فتح الرحمن الجعلي
صحيفة الصحافة