محمد لطيف: خذوا الحكمة من سورة الرعد

لم يأسرني أمر في هذه الدنيا قط.. كما تأسرني آية في محكم التنزيل.. وهي قوله تعالى في سورة الذاريات.. (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ).. هذه الآية تحمل لنفسي قدرا من الطمأنينة والسكينة.. وبيني وبين نفسي أسميها.. آية اليقين.. وآية القناعة.. وقد أجمع المفسرون والشراح.. من ابن كثير إلى الطبري إلى القرطبي إلى الأصمعي إلى غيرهم.. أن الرزق الذي في السماء هو المطر.. وإن اختلف الشراح في معنى (ما توعدون).. من قائل إنها الجنة.. إلى قائل إنها ما ينتظر الإنسان من خير أو شر.. وما يعنيني اليوم هو ذلك الإجماع على أن ذلك الرزق الذي في السماء هو المطر..!

فمطلع هذا الأسبوع كتبت هنا أن كلمة مطر لم ترد في القرآن الكريم إلا وهي مرتبطة بالعذاب والعقاب.. وأوردت من الآيات ما يعزز قولي.. فاختلف معي عدد من الإخوة احتجاجا على ما ذهبت إليه.. فرددت عليهم بقولي.. وأعيد الآن.. إنني قصدت تفنيد عبارة ظل يرددها كل مسؤول لم يقم بدوره على الوجه الأكمل.. فيقف أمام المتضررين.. ودافعي ثمن خيبته وفشله.. من أموالهم وممتلكاتهم وأرواحهم قائلا.. إنها أمطار خير وبركة.. وقلت إن الأمطار قد جاءت عقابا للفاشلين والمقصرين لكشف سوءاتهم.

غير أن الواجب يحتم علي أن أكمل.. متفقا مع ما ذهب إليه الإخوة الأفاضل أنه سبحانه وتعالى.. وكما استخدم كلمة المطر.. استخدم كذلك كلمة ماء وغيث.. وكلها معانٍ للماء الذي ينزل من السحاب.. ذاك للعذاب.. وذينك للخير والنماء.. ومن الشواهد قوله تعالى في سورة الزمر.. (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ ).. ثم قوله جل وعلا في سورة الفرقان.. (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا).. وقوله في سورة الأعراف.. (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).. ويقول في سورة الشورى..(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ).. أما في سورة الأنبياء فقد أنزل الله جل وعلا الآية قطعية الدلالة في قوله تعالى.. (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)..

وكما قال أحد المتداخلين معي إن العبرة الحقيقية في كيفية تعامل الإنسان مع هذه النعمة الآتية من السماء.. فإن كان قد هيأ أمره.. واستعد بما ينبغي.. فستكون نعمة تحقق وعد الله لعباده بإنبات الأرض وزيادة الزرع والضرع.. أما إن كانت الاستعدادات دون المستوى المطلوب.. وميزانية الاستعداد للخريف قد خرجت ولم تعد.. وضحايا خريف 2013 مازالوا يلهثون خلف حقوقهم.. والأمر مفاجئا كما كل عام في السودان.. فاعلم يا هداك الله.. (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).. ولحكمة لا يعلمها إلا الله .. فما بين المعقوفتين هذه.. جزء من آية في سورة الرعد..!

محمد لطيف- اليوم التالي

Exit mobile version