أنا وتوبي في حضرة عوض دكام

[ALIGN=CENTER]لفحّنّو أخت طبّنّو خادم الفكي
أنا وتوبي في حضرة عوض دكام !
[/ALIGN]
زمآآن .. كان الانتقال من لبس الطرحة إلى لف القوام بالتوب، اشارة على استواء الصغيرة على صراط الأنوثة واكتمال ملامحها التي تستوجب الستر والتغطية تحت ثنايا ولفلفة التوب (وكت كان لباس التوب سترة) .. فقد كان التوب سابلا ساترا لا يصف ولا يشف وذلك قبل أن تغشاه انسخاتة تياب (الشفون) و(الربط) .. وكان لفرط الحشمة والوقار الذي يسبله على من ترتديه، سببا في رفض بعض التقدميات الزمان لـ الحجاب بحجة أن التوب يغني ويسد الفرقة، حتى أن هناك طرفة تحكي بخصوص ذلك الموضوع عن احدى المايويات الضليعات، فـ عندما حوصرت بسؤال عن رأيها في الحجاب الذي انتشر وصار موضة بين الشابات في ذاك الزمن .. أفتت نقلا عن سيدنا الامام (جعفر نميري) ايام ولايته لأمر المؤمنين في السودان:
الحمد لله .. نميري قال توبنا ده ذاااتو زي شرعي .. ومافي داعي معاهو للحجاب !
ما علينا .. في صغرنا كانت متعة تمثيل دور الأمهات في لعبة جيران .. جيران، لا تكتمل إلا باختلاس تياب أمي والتلفلف بها كالمومياوات فكانت كلما ضبطتنا بالجرم المشهود تزجرنا بالقول:
خلاص لمّيتن في تيابي وقعدتن تتلفلفن بيها زي كفحّنّو؟!!
ولعل (كفحّنّو) تلك كانت شقيقة (طبّنّو خادم الفكي) .. الله اعلم.
أما في بواكير الصبا فقد كانت متعة المرسال لا تكتمل إلا بـ لفحة التوب وجرجرة أزياله من خلفنا لكنس اوساخ الطريق من وإلى بيوت الجيران .. تقول الحكمة (من شب على شيء شاب عليه) فمنذ أن شبيت لم أكن اتقن لباس التوب والتحكم في اطرافه، ورغم اصراري على لباس التوب في المشاوير والزيارات الاسرية في صباي الباكر، إلا انني كنت ارجع دائما من تلك المشاوير (مِطبّقة التوب وشايلاهو في يدي) ..!
فطوال الطريق كان (توبي) يصر على ممارسة الاعيبه والزوغان من بين كتفي وراسي، ويمعن في المراوغة عندما يقصد عنادي و(يتكوم في الواطة) فأستسلم واقوم بتطبيقه كيفما اتفق واحمله على يدي لارميه في أول سرير يقابلني بعد عودتنا للبيت، ولذلك لم أجد كثير عناء في (فك دربه) بعد أن لبست الحجاب في الثانوي العالي، فقد كان الجمع بين مهارة لبس لف الخمار ولبس التوب ترفا لا أملكه و(شعرا ما عندي ليهو رقبة).
ساقتني الشلاقة في ذات مرة لأجمع بين شتيتي الخمار والتوب مستعينة بكل ما وصل ليدي من دبابيس ومشابك، عندما أخذني (أبي) لزيارة عيادة الاسنان الخاصة بالمرحوم (عوض دكام)، بسبب معاناتي من تبعات اسرافنا على انفسنا باكل الحلاوة في صغرنا .. جاء دوري وجلست على المقعد (المشعلق) بعد أن أستقبلنا دكتور دكام بلطفه المعهود وأثناء انشغله بالكلام مع والدي مدّ يده ليعدّل من وضع رأسي كي يدخل في فمي الآت التعذيب أو الحفّارة .. وفجأة صاح صيحة ألم وسحب يده من فوق رأسي .. سألني بطريقته المميزة في الكلام وهو يضغط على يده التي كانت تقطر دما:
ده شنو يا بت العاملاهو في روحك ده .. راسك كلو ملان إبر؟!!
طبعا (عمل) من القصة فيلم (هندي) عندما أخبرته عن استعانتي بالدبابيس في تثبيت التوب والخمار على رأسي .. ترك أسناني المسوسة جانبا وتفرغ لموضوع الدبابيس .. فقد قام بحصر وعد (ترسانة الاسلحة) كما سماها، التي دججت بها رأسي واكتافي بعد أن أشهد علي الموجودين في الغرفة اثناء قيامه بذلك:
عليكم الله شوفو البت المجنونة دي مشكشكة راسا بالإبر كيف .. الغاصبك على كده شنو يا بت ؟!!
ساهم ذلك الموقف الطريف يومها في التعجيل باتخاذي قرار مفارقة التوب (فراق الطريفي لي جملو) والاكتفاء بالحجاب إلى حين، واستمر خصامي مع التوب حتى زواجي حيث صار التوب بعده شر لابد منه عند زيارتي بيوت البكيات، وضرورة حتمية لقشرات المساء .. ليشاركني ( سيد الاسم) معنويا وتوجيهيا، معاناتي في الجر والسحب والتدبيس، فكلما جمعني واياه مشوار قضى كل وقته في متابعتي وتوجيهي دون كلل:
أرفعي توبك! .. صلحي توبك! .. ألبسي توبك كويس !
حتى نعود، فلم يعد في امكاني طبعا ممارسة غبا الشفّع الزمان والعودة للبيت بـ توبي شايلاهو مطبّق في يدي.

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version