فور دخولها البيت وجدت ابنها ذي الست سنوات يبتسم في وجهها ويقول: ماما ممكن اسألك سؤال؟ قالت له بكل ضيق: تفضل.. فجاءها السؤال: كم يساوي راتبك في اليوم الواحد؟ هنا اندفع الدخان من فمها وخياشيمها وأذنيها وانتفخت أوداجها: مالك انت وراتبي يا حشري يا طفيلي يا قليل الحياء يا عديم الأدب.. ناقصك شيء؟ تريد علاوة؟ أم أنك ستصدر قرارا بزيادة راتبي.. غور وفز من قدام وجهي قبل أن أوجه إليك حذاء ماركة جورج بوش.. فهرول الصبي مذعورا الى غرفته، وألقت الأم بثقلها على كرسي وهي تغلي وتمور من الغضب والغيظ، وتهمهم بكلمات هادرة… وبعد قليل عاتبت نفسها: ما ذنب ولدي هذا حتى انفجر في وجهه غاضبة؟ ماذا يعرف هو عن الرواتب وكلفة المعيشة؟ لماذا لم أجب عن سؤاله بشكل او بآخر وهو على كل حال لا يعرف مغزى أو معنى ان يكون راتبي في اليوم الواحد خمسون ريالا أو خمسمائة دولار؟ أنبها ضميرها فتوجهت الى غرفته وجلست جواره واضعة يدا حانية على رأسه (يستخدم عيالي سلاح المسح على شعر رأسي بأكفهم عندما يريدون طلب شيء احتمال رفضي له كبير، لأنهم يعرفون أنني “أموت” في مسح الشعر، وكثيرا ما أستأجر أحد عيالي ليفرك شعري وفروة رأسي كي أنام).. اعتذرت الأم لولدها عن نوبة الغضب والهيجان التي انتابتها بسبب سؤاله عن راتبها ثم أضافت: راتبي اليومي يعادل 300 ريال.. هه ارتحت؟.. مبسوط؟ وفاجأها قول الصبي: ممكن تعطيني نصف ذلك المبلغ؟ ولأنها كانت تحس بالذنب فقد فتحت حقيبة يدها ومدت اليه 150 ريالا.. هنا أخرج الصبي من كيس المخدة أوراقا مالية مكرمشة، وبنظرة سريعة اكتشفت الأم ان لديه أكثر من 150 ريالا فسألته: لماذا طلبت مني نصف راتبي اليومي وأنت تملك ما هو أكثر منه.. تجاهل الولد كلامها وطفق يعد النقود ثم مد يده الى أمه قائلا: هذه 300 ريال أي راتب يوم كامل.. خذيها وتغيبي عن العمل غدا لتقضيه معي.
في معظم بيوتنا عيال على استعداد لبيع ملابسهم ولعبهم البلاستيكية والالكترونية الأثيرة لضمان ان نخصص لهم نحن الأمهات والآباء جانبا من وقتنا نلاعبهم ونتآنس معهم، بينما نحسب أنفسنا أمهات وآباء نموذجيين لأننا نعمل كما الثيران لتوفير اللعب والملابس لهم… ونعود الى بيوتنا منهكين ونفاجأ بأن عيالنا يطلبون منا الجلوس أو الخروج معهم!! عيال ما عندهم “إحساس”!
زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com