ومن دلائل انتشار ثقافة العنف والكراهية ذهاب البعض إلى تجريم الرأي الآخر ونصب سوق للمزايدات على المواقف الدينية والوطنية، وتنصيب البعض أنفسهم ميزاناً للحق يميل حيث مالوا، وكم كان مؤسفاً محاولة البعض إدانة الحادثة بكلمات من باب المجاملة ليدلف مباشرة إلى إيجاد مسوغات لتبرير الاعتداء الآثم بالزعم أن ما قاله الأخ عثمان ميرغني في برنامج “قيد النظر” التلفزيوني، أو ما كتبه في صحيفته تسبب في استفزاز ما يزعمون أنها ثوابت الرأي العام، والحق ما علمنا الرأي العام إلا متعاطفاً معه بعد هذه الفعلة التي استحى من أقدموا عليها أن يتحلوا بالشجاعة ويعلنوا عن أنفسهم مؤثرين الفرار طلباً للسلامة.
ولذلك فإن أسوأ مما حدث أن ينبري من يفترض فيهم تحمل مسؤولية نشر ثقافة التسامح وقبول الرأي الآخر، وبدلاً من ذلك أفرغوا جهدهم في البحث عن مبررات تقلل من الجريمة الآثمة بدعاوى توفر عنصر الاستفزاز في إفادات عثمان، فهو مهما قال فإنها تبقى مجرد آراء لا تلزم إلا صاحبها بوسع كل شخص دحضها بمنطقها لا بتسويغ استخدام العنف. ولذلك يجب إدانة العنف إدانة مطلقة، ويجب أن يرفض جملة وتفصيلاً، ويجب ألا نسهم في المزيد من نشر ثقافة العنف بإيجاد مبررات له مطلقاً مهما كانت الأسباب، حتى وإن أخطأ من ارتكب جرماً فإن من يملك الحق الوحيد لتبرئته أو تجريمه هي ساحة القضاء، ولو سمح لأي طرف مهما كان أن يأخذ القانون بيده، إذن تكون فتنة في الأرض وفساداً كبيراً.
سيكون من قبيل المواساة الباهتة أن نكتفي بإدانة الفعل الآثم الذي تعرض له الزميل عثمان ميرغني، من يستحق الإدانة والمحاسبة ثقافة العنف والكراهية وتجريم الرأي الآخر تحت أي دعاوى جاءت والتي انتشرت على نحو غير مسبوق.
لم يحدث أن مر على السودان عهد استبيحت فيه الدماء واسترخصت الأرواح كما نشهده اليوم، فلئن جزعنا لما أصاب الأخ عثمان اليوم، فمثله يحدث لمن لا نعرف لهم عدداً من السودانيين الأبرياء في مناطق الحرب الأهلية المستعرة في السودان.
فهذا جزء من كل وليس معزولاً، فالعقلية المنتجة لثقافة العنف والكراهية وممارستها واحدة، وما وصول العنف إلى قلب الخرطوم إلا نتاج الصمت الطويل هنا على ما يحدث في غيرها في الأطراف، الذي يشكو لسنين عدداً وما تداعينا له بالسهر والحمى، وعندما تدور عجلة الإرهاب فلا يظنن أحد أنه منها ناجٍ.
لننهض جميعاً إلى مهمة استعادة الوعي بأن الظلم لا يتجزأ، والعنف كذلك، وليقف الجميع موقفاً واحداً ضد الحرب وثقافة العنف والاستبداد.
دعاؤنا لأخينا عثمان بعاجل الشفاء، وليحفظ الله السودانيين في مقبل أيامهم
خالد التجاني- التغيير