وتشترك غالبية القبائل في عادة تعدد الزوجات من دون تقيد بالعدد، كما في الدين الإسلامي، الذي حدده بأربع، ليصل عدد الزوجات في أحيان كثيرة إلى أكثر من 15 زوجة ينجبن أبناء بأعداد تصل للمائة أحياناً، إذ يصعب معه تعارف الإخوة فيما بينهم.
ويدخل “الكجور” في معظم طقوس الزواج، وهو عملية متعلقة بالروحانيات والأرواح الخفية، التي تقام بسببها طقوس مختلفة، باتت تتميز بها الدولة حديثة النشأة بعدما انتبه الإعلام إليها وبات يركز على عادات أهلها وطقوسهم، لاسيما الغريبة منها.
وتتفق العائلات الجنوبية من كل القبائل في الزواج المبكر، حيث من الممكن أن يتزوج الأولاد والفتيات قبل بلوغ سن الثانية عشرة، وهو الأمر الذي حذرت منه منظمة “هيومن رايتس ووتش- فرع جوبا” في تقرير أصدرته العام الماضي، وطالبت الحكومة بحماية الفتيات من الزواج المبكر، خاصة أن آخر إحصائية حكومية أشارت لارتفاع نسب الزواج المبكر بين الفتيات ممن تتراوح أعمارهن بين 15 و19 وأحيانا 12 عاما ووصلت إلى 48 في المائة.
“كسر خشم”
قبيلة “الدينكا” التي تعتبر من أكبر القبائل في جنوب السودان، عادة ما تضع قيودا صارمة لزواج الفتاة من خارج القبيلة، بينما تترك المجال أمام الفتيان، وذلك لأنها قبيلة تحرص على زيادة نسلها. ولدى أهل القبيلة معتقد سائد أن “القبيلة وجدت لتحكم”. وتدخل الأبقار كعامل أساسي في إكمال مراسم الزواج، وكأنها بمثابة “عقد الزواج”، فبدون الأبقار لا يستطيع أي شاب أن يتزوج، باعتبارها تمثل “مهرا” للعروس.
وعادة ما يحدد العدد المطلوب من تلك الأبقار بحسب الميزات التي تتمتع بها العروس، ومنها الجمال، لكن الأساس يرتبط بالقامة، فكلما كانت الفتاة فارعة القوام وصاحبة أسنان بيضاء يزداد عدد الأبقار التي تدفع مهرا لها، والتي قد تصل إلى 500 بقرة، أي ما يعادل المليارات من العملة المحلية.
وقد تستمر مراسم الزواج لدى الدينكا لأيام عدة، تقرع فيها “النقارة” وهي آلة طبل محلية، يتمايل معها الشباب. كما أن “المريسة” وهي شراب مسكر يتم إعداده محليا من الذرة، تمثل رمزا أساسيا في العرس الدينكاوي، وكان احتساؤه قديما مقتصرا على كبار السن.
وتتمتع القبيلة بتقاليد خاصة، إذ تحال للابن الأكبر زوجات والده كافة، باستثناء والدته، عند وفاة الوالد، على أن ينسب إلى الوالد المتوفى أي ابن قد يأتي من معاشرة الابن لزوجات أبيه على كثرتهم.
ويحاط “النسابة” وهم أهل الزوجة، باحترام خاص لدى الدينكا، إذ يستحيل أن يتمكن العريس من الأكل في منزل أهل زوجته إلا بعد أن يقدم عددا من البقرات، وهو تقليد يطلق عليه محليا اسم “كسر خشم”.
وتشتهر بعض فروع القبيلة بعملية الخطف بهدف الزواج، بمعنى أن يعجب أحدهم بفتاة فيقوم بخطفها وإبقائها معه في مكان آمن، ويباشر معها الحياة الزوجية، على أن يرسل إلى أهلها بعد أسبوع أو أسبوعين من خطفها، ليخبرهم أنها معه، ومن ثم يعيدها إلى منزله ليبدأ مراسم الزواج.
ويقول زكريا أتيم، من أبناء “الدينكا نقوق” المقيمين في منطقة أبيي: “عند إعادة الفتاة لأسرتها، هناك طقوس محددة تتم، بأن ترتدي ملابس أهل خاطفها، ويدفع معها إحدى عشرة بقرة بينهم عجلة حبلى، فإذا أعادت الأسرة الأبقار، وأبقت على العجلة تكون بذلك رفضت الزيجة”.
وقد يكون هناك آخر يرغب بالزواج من الفتاة، فيأتي بضعف تلك الأبقار، فيحكّم كبار المنطقة في القضية وتقيّد أبقار الطرفين في حظيرتين مختلفتين، فإذا أطلقت الأسرة قيد أحدها يكون ذلك بمثابة الرفض وقبول الطرف الثاني.
ويؤكد أتيم أن هناك أسر تكون على علم بأن هناك شابا يتربّص بابنتهم، فيأخذونه إلى المحكمة التي تقوم بطقس محدد يحرّم الفتاة على ذلك الشاب، ويتم إحضار قدح فيه رماد مشتعل، ويطلب من الشاب أن يضع يده فيه.
يشير أتيم إلى أن هناك بعض فروع الدينكا، ومنها “دينكا بحر الغزال”، تسببت عمليات الخطف داخلها في حروب قبلية راح ضحيتها العشرات.
ثمن الرضاعة
تدخل قبائل “الشلك” كما قبائل الدينكا الأبقار كعنصر أساسي في الزواج، بجانب حيوانات أخرى، ولكن دون مغالاة مقارنة بالدينكا. كما أن الشلك يدفعون إلى جانب الأبقار مبالغ مالية في مراحل مختلفة من بداية طلب يد الفتاة، وهو ما يعرف باسم “قولة خير” أي إبداء الموافقة، وصولا إلى إتمام الزواج.
ويحرص عريس “الشلك” على أن يقدم عجلا لوالدة العروس تقديراً لها على إرضاعها لعروسه في صغرها، في ما يعرف باسم “ثمن اللبن”. كما يدفع للعروس مبلغا ماليا محددا لشراء احتياجاتها من ملابس وغيرها.
ومن عادات “الشلك” أن يصطحب العريس عروسه في ليلة الدخلة في الخفاء من دون أن يشعر به أحد، بينما “المعازيم” منشغلون بالغناء في الخارج، فيدخل أفراد من عائلة العريس بمعاونة أشقاء العروس لحملها إلى بيت الزوجية من دون أن يشعر بهم أحد.
ولدى قبيلة “الزاندي” طبيعة مختلفة عن بقية القبائل الأخرى، إذ تحرص الأسرة على اختيار فتاة لابنها تقوى على خدمة الأسرة، فإذا أصر الشاب على الاختيار بنفسه، ولم يعجب ذلك أسرته، فإنهم يزوجونه من تجد استحسانهم مرة أخرى.
ولا تدخل الأبقار ضمن زواج “الزاندي”، إذ تعد من القبائل الزراعية الفقيرة، مقارنة بـ”الدينكا” و”الشلك”، ولكنها تهتم بأن يكون ضمن طقوس الزواج “الملودا “، وهي آلة زراعية تكون ضمن المهر العيني الذي يقدمه العريس لعروسه. ويحرص الزانديون على عدم دفع المهر كاملا، حتى لا يكون ذلك بمثابة شراء للبنت، وإنما يسدد على دفعات. وقد يقوم الابن بالتسديد عن والده إذا توفي ولم يكمل المهر. كما يُدفع لوالدة العروس مبلغ من المال “ثمن اللبن”، كما في قبيلة “الشلك”. وتعطي القبيلة “النسابة” احتراما خاصا. ومن العادات أن العريس يحرص على خلع حذائه عند باب منزل العروس.
امتحانات واختبارات
تكاد تكون طقوس قبيلة “الفراتيت” أقرب إلى طقوس شمال السودان، مع وجود بعض الاختلافات، ربما لأنها من القبائل الحدودية بين البلدين.
لا يرى العريس عروسه حتى اكتمال مراسم الزواج، لدى الفراتيت، وإن استغرقت التجهيزات سنوات عدة، ويظل طيلة تلك الفترة في خدمة أهل الزوجة في الزراعة والبناء هو وعائلته. كما يحرّم على العريس والعروس أن يناديا بعضهما باسميهما، فإما كناية أو عبر الإشارة، إلى أن ينجبا طفلا فيتناديا باسمه “أم كذا” و”أبو كذا”.
ويقول المطران فضل مطران، أحد الأعيان في المنطقة، إنه “قد لا يعرف الطفل اسم والديه إلى أن يسجل باسمهما في المدرسة، وبعضهم قد لا يعرفهما أبدا”.
ويدخل المال في مراحل كثيرة من الزواج الفرتيتي وصولا إلى زفّ العروس لبيتها. فلا يمكن للعريس أن يأخذ عروسه ما لم يدفع مالا متفقا عليه، وتحمل العروس على الأكتاف.
كما يخضع أهل العريس لاختبار قاس من قبل أهل العروس في يوم “سد المال”، وهو اليوم المخصص لأن يدفع العريس المهر بجانب الملابس الجديدة التي اشتراها لعروسه ومواد تموينية أخرى تعرف بـ”الشيلة”.
عند وصول أهل العريس إلى منزل العروس حاملين على رؤوسهم “الشيلة” التي تغطّى بقماش أبيض، تيمنا بالخير والسعادة، ومعهم خروف مقيد بقماش أبيض، تستوقفهم الأسرة وتقوم عمة العروس بذر حبات من السمسم والذرة على الأرض. وتطلب من الحاضرين في الموكب جمعه حبة حبة، وهو نوع من اختبار قوة التحمّل والصبر لدى أهل العريس. ويحدد هذا الاختبار القبول بإدخال الشيلة، مما يعني إكمال الزواج، أو رفضه. وعندها يجلس من بالموكب على الأرض وهم ينشدون الأغاني ويطلقون “الزغاريد” لجمع الحبات إلى أن تأتي امرأة مسنّة وتؤكد على قدرة تحمّلهم، فتوقفهم.
وبحسب مطران فإن العروس في فترة الزواج لا تأكل مع زوجها أو أهله ولا أمامهم، وإنما تأكل في الخفاء إلى أن يقدموا لها الهدايا ويرجونها أن تأكل معهم.
الخرطوم ــ علوية مختار -العربي الجديد