موسى هلال وحسب التصريحات التي أدلى بها لصحيفة «السوداني» لم يعتبر هذه الخطوة التي أقدم عليها خروجاً على الحكومة وتمرداً عليها رغم أن قوته المسلحة هناك قد شكلت في كثير من الأحيان تحدياً واضحاً للحكومة التي ظل يناهض سياستها في ولاية شمال دارفور بدعوته لإسقاط الوالي «كبر» وفي الخرطوم. ويعتبر هلال هذه الخطوة مساهمة منه في إحلال السلام، في وقت أكد فيه أن الحكومة ليست وحدها المعنية بعقد الاتفاقيات طالما هذا هو الطريق الذي قد يوصل للسلام، معتبراً مجلسه «الصحوة» مجلساً وطنياً ومن حقه العمل بحرية تامة والإدلاء برأيه في كافة القضايا المصيرية مثله مثل الحكومة تماماً وبقية الأحزاب السياسية، الشيء الذي قاد كثيراً من المراقبين لوصفه بالابتزاز السياسي للحكومة التي أعلن هو صراحة عدم اتفاقه معها ومع حزب المؤتمر الوطني، بحسب الحوار المذكور بصحيفة «السوداني».
واستند هؤلاء إلى أن الرجل عندما خرج من مكتبه بالقصر حينما كان مستشاراً للرئيس لم يستأذن حتى يتسنى له القيام بهذا الدور ليكون تحت رعاية وعون الحكومة، لجهة أن مكانته الوزارية تستلزم ذلك حيث أنه يمثل الدولة، وإنما خرج طواعية عن نفسه متحدياً كل التوسلات التي قامت بها الحكومة بحسب قوله، للعودة مرة أخرى للقصر، مما شكل تحدياً صارخاً للحكومة التي رفضت تصعيد الأمر معه ربما لجهة عدم فتح جبهة قبلية جديدة، فالرجل يمثل قبيلة كبيرة عرفت بتاريخها الكبير في دارفور المأزومة والمثخنة
بالكثير من الجراحات.
هلال لم ينكر أن له خلافات في الرأي مع الحكومة، لذلك هو الآن خارج عليها وبعدد مقدر من القوات التي تعينه على ذلك، مما يدعم قول الذين وصفوا موقفه بـ«الابتزاز السياسي». وقد سمى هلال مواقف كثيرة بينه والحكومة هي التي جعلت لهذه المفارقة أن تحدث، فيما قام هو بتوقيع اتفاق لإنزال السلام على أرض الواقع في دارفور والمناطق التي تشهد صراعاً بين حملة السلاح والحكومة، وقال إنه يتوجب على الجهات المسؤولة الشكر له لأنه مواطن قام بدوره في لملمة ومعالجة الجراح التي تنوش الوطن من مختلف الجهات بهذه الوثيقة التي ربما وضعت إطاراً جديداً للتعامل مع من يحملون السلاح وفي رؤاهم للخروج من الأزمات التي طالت، بيد أن الرجل نسي أن أزمته هو الآخر قد لا تندرج روشتة علاجها تحت هذه اللافتة الكبيرة لأزمة الحكم، خاصة أن هناك الكثير من الصور الشبيهة لخروجه واحتمائه بقواته الحاملة للسلاح.
قطاع الشمال والطريقة العركية
وفيما ربط بعض المراقبين موقف هلال بمواقف سياسية تحمل ذات أوجه الشبه، أشاروا إلى اتفاق الطريقة القادرية العركية بالحركة الشعبية، ذلك الاتفاق الذي خرج بتوصيات شبيهة بالتي خرج بها اتفاق هلال مع الأخيرة الأيام الماضية، وسميت بوثيقة تفاهم. وقد وصف مراقبون حينها هذه الوثيقة بالابتزاز السياسي للحيلولة دون توقيع العقوبات المفروضة على قيادات قطاع الشمال جراء الاعتداءات على مناطق بالنيل الأزرق، أزهقت معها الأنفس وخربت الديار، بيد أن الطريقة أصدرت بياناً نفت فيه تماماً قيامها بالتوقيع على ذلك البيان أو الوثيقة المذكورة مع قطاع الشمال، واعتبرت الأمر كيداً سياسياً أريد به إقحام الطريقة في شأن لم تكن لها فيه يد. وقدمت رؤيتها للأوضاع الراهنة وقتها وأنها لم تكن خلف ذلك الاتفاق، وأنها لا علم لها بما جرى إطلاقاً.
الشعبية والعودة لجوبا
هذه بادرة أخرى تصف ما أقدم عليه هلال الذي قال عنه القانوني والمحلل السياسي الأمين الحسن الذي تحدث لـ «الإنتباهة» إنه لم يكن وحده من رسم صور وملامح للابتزاز السياسي، وإنما هناك مواقف قديمة مماثلة اعترضت طريق المؤتمر الوطني، جراء تحالفاته الكثيرة خاصة التي أوقعها مع الحركة الشعبية عقب اتفاق السلام في عام 2005م، وحينما شكلت حكومة الوحدة الوطنية بدخول قيادات من الحركة الشعبية الأم «قبل الانفصال» الحكومة وخروجهم من تلك الحكومة عندما اختلف الجانبان في عملية تنسيب الوزارات «للمؤتمر الوطني والحركة الشعبية» حيث كان الاختلاف في وزارة النفط التي أدى تمسك كل من الطرفين بأحقيتها مما ادى لعودة الحركة لجوبا وخروجها من الحكومة آنذاك. وأكد مراقبون أن ذلك الموقف كان ابتزازاً سياسياً من الحركة الشعبية مارسته ضد المؤتمر الوطني الذي استمسك بموقفه ولكنه أبدى بعض التفهمات أعاد من خلالها وزراء الحركة الشعبية لممارسة أعمالهم ضمن طاقم وزراء حكومة الوحدة الوطنية، بعد أن شهدت الساحة وقتها حالات استقطاب ومداً سياسياً بين الطرفين، واستطاع الوطني وقتها أن يكسب الجولة ولكن لفترة قصيرة انتهت بانفصال الجنوب.
«مناوي» الخروج المبكر
وربط آخرون موقف هلال بموقف مني أركو مناوي كبير مساعدي رئيس الجمهورية قبيل مغادرته منصبه الذي جاءه عقب اتفاق ابوجا الشهير، وقد عمل طرفا الاتفاقية وقتها «الحكومة وحركة تحرير السودان» على المسارعة في إنزال ترتيبات الاتفاقية إلى أرض الواقع خاصة بند الترتيبات الأمنية الذي بدأت به الحكومة تنفيذ الاتفاق، وقد شاب عملية الدمج والإحلال في القوات المسلحة بالنسبة لقوات مناوي بعض الخلل الذي لم يرتضه مساعد رئيس الجمهورية الذي التزم موقعه في القصر الجمهوري باكراً عقابيل توقيع الاتفاق بأبوجا. وأكد الفريق الدابي رئيس لجنة الترتيبات الأمنية لاتفاقية أبوجا في تصريحات له، عقب الخروج الشهير لمناوي والتحاقه بقواته في مناطق الصراع بدارفور، أن مناوي هو من كان يقف وراء عدم اتمام عملية الدمج بالنسبة لقواته في القوات المسلحة، مؤكداً أنه تعمد عدم إتمام عملية الدمج لأسباب دفعت به للخروج من القصر والعودة مجدداً لدائرة الصراع المسلح مع الحكومة. وقد ربط مراقبون موقف مساعد الرئيس الخارج «مناوي» بموقف السيد موسى هلال مستشار رئيس الجمهورية عقب خروجه الشهير وانضمامه لقواته بمستريحة، واعتبروا الموقفين ابتزازاً سياسياً لأن مناوي لم يوافق على بعض تنزيلات القسمة بالنسبة للسلطة، مما جعله يستخدم ذلك الموقف كرت ضغط ضد الحكومة التي خرج منها وهو في منصب كبير مساعدي السيد رئيس الجمهورية، بينما لم يقبل موسى هلال تصرفات وأوامر قيادات الحزب والحكومة التي قدر إنها جانبت المؤسسية.
فهل سيحقق هلال ما عجز عن تحقيقه مناوي بخروجه من القصر الجمهوري؟ أم أن الأقدار ستجمع بهما في ساحة واحدة، وهي الخروج على الحكومة والانضمام لقائمة الجبهة الثورية التي أصبحت ملاذاً لكل الخارجين؟
صحيفة الانتباهة
عبد الله عبد الرحيم
ت.إ
[/JUSTIFY]