* الميلاد؟
ـ بورتسودان حي ديم جابر.
* الطفولة؟
ـ في السودان الطفولة تقريباً كلها شبيهة ببعض، فعالم الطفل في غرب السودان هو نفسه في شرق السودان، فالقاسم المشترك في اللعبات شليل وعساكر وحرامية.
* النشأة؟
ـ كنشأة عامة أطفال الشعب السوداني في ذلك الوقت، حيث كانت تفرض على الشعوب أشياء كثيرة خلال فترة الاستعمار والظروف الاجتماعية القاسية، ضاعت أشياء جميلة في حياة الأطفال، فقط نتمنى أن تعود الروح التي تعتمد على ما ورثناه من قيم جميلة من توقير للكبير والاهتمام بالدروس وتحمل المسؤولية، وهذا ما نفتقده في أطفال اليوم.
* محمدية ؟
ـ حقيقة كما يقال من قمت لقيتو، قد يكون أطلقته الحبوبة أو العمة أو الخالة لا أدري، فهو اسم للدلع أو الدلال.
* الملاحظ أن معظم السودانيين ترتبط أسماؤهم بألقاب أخفوها.. ما رؤيتك في هذا الامر؟
– نعم قد يكون أي شخص في السودان يملك لقباً حتى الطفل إذا كان اسمه إبراهيم مثلاً يحرف هذا الاسم بتصغيره، ولعيبة الكورة مثلا نجد أن الأحد عشر لاعباً في الفريق لكل منهم لقب يبقى سمة ملازمة له، ونادراً ما نجد أحداً خالياً من اللقب، ولو سألت معظم الناس الذين يحملون القاباً لا يدرون مصدرها، فقد يكون مثلاً امتداداً لاسم كبير في الأسرة انسحب على البقية.
* هناك ألقاب غير متناسبة مع اسم وشخصية حاملها.. هل توافقني في هذا الرأي؟
ـ نعم أحياناً تكون هذه الألقاب غير مناسبة، فمثلا أحدهم يلقب بالحرامي .!
وقد حدث لي ذات مرة موقف استشهد به، فكنت اسأل عن شخص ابحث عنه فقال لي أحدهم (امش قدام دكان الحرامي) وتفاجأت بأن الحرامي هذا لم يكن سوى شخص وقور ظلمه هذا اللقب غير المناسب واتحرجت جداً وألغيت سؤالي.
* متى اكتشف محمدية ميله للموسيقى ومتى أمسك بأول آلة موسيقية؟
ـ حقيقة الحكاية دي بدت من بدري حتى قبل أن أتعلم العزف بالعود، حيث كنت أعزف على آلة الصفارة ونحن صغار نجلس في الليالي المقمرة بالحي، وليالي السمر دائما الأصدقاء كما يقال (يورطوا) الزول فيها، ببعض الثناء والإطراء يصل أحيانا لدرجة المبالغة، فكنت أحب العزف على الصفارة وسط الأصدقاء، وكما قلت يبلغ الثناء مبلغاً كبيرا واحياناً يكون بدون دراية منهم بما يسمعون فقط مجرد مجاملة..
* إذاً قبل احترافك للكمنجة كنت تهوى العزف على العود؟
ـ نعم أساساً كنت عاشقاً لآلة العود لأنها كانت المتاحة، ولأسباب تتعلق بمحدودية آلة العود تحولت للكمان، ولسبب آخر فقد كنت عاشقاً للموسيقى العربية.
٭ اذاً نسمع حكايتك مع الكمان؟
ـ كنت عاشقاً للموسيقى العربية ومعجباً جدا بعازف الكمان الشهير أحمد الحفناوي، فكان لا بد من وجود آلة كالتي يعزف بها الحفناوي، فوجدت صعوبة شديدة في الحصول عليها، فكتبت خطاباً للفنان الكبير محمد عبد الوهاب شارحاً إعجابي بأعماله الفنية غناءً أو تلحينا للآخرين، ولكني لم أجد رداً على الرسالة.!
* السبب؟
ـ عرفت بعد الانتقال إلى مصر لتلقي العلوم الموسيقية، فكان الرد على رسالتي بخلاً يمتاز به الفنان محمد عبد الوهاب يتجاوز حد المعقول، وذلك ليس بالأمر العجيب.
* من أين حصلت على أول آلة كمان؟
ـ كنت محظوظاً أن أتى أحد الموظفين إلى مدينة بورتسودان ليعمل في بنك الخرطوم (باركليز سابقا) ووقتها كانت معظم الأندية وتجمعات الموظفين من مظاهرها أن يكون هناك عود ومطرب لتلك الجوقة، فكنت أتردد على تلك التجمعات، وتعرفت على الأخ مدني محمد طاهر، وهو بالإضافة لهواية الموسيقى أيضا لاعب كرة قدم ماهر، وأيضا أنا كنت عاشقاً لكرة القدم ولاعباً بالدرجة الأولى بفريق المريخ، وأهداني الأخ مدني آلة كمان كانت هي ضربة البداية، وكان ذلك سبب تحيزي للموسيقى على حساب كرة القدم، واعتقد إنني اخترت الطريق الصحيح..
*على يد من تعلمت العزف؟
ـ في تلك الأيام لم يكن هناك من يعلم الآلات الموسيقية على الأسس السليمة، بل هي مجرد اجتهادات شخصية، ولكن زيارة الإخوة الفنانين أحمد المصطفى وعثمان حسين المتكررة لبورتسودان باعتبارها مدينة منافسة للعاصمة في مجال الحركة التجارية والفنية والاجتماعية وبارتيادنا لحفلاتهم استفدنا كثيراً منهم، وكان يصحبهم كبار العازفين عبد الفتاح الله جابو وعبد الله عربي وموسى محمد إبراهيم وآخرون.
٭ أول تجربة عملية لك في العزف وراء فنان وأمام الجماهير؟
ـ أول تجربة اكسبتني الشجاعة والمواجهة وتحمل المسؤولية كانت في احتفال أُقيم في النادي القبطي بمدينة بورتسودان بمناسبة شم النسيم، وطلب مني أن أصاحب أحد المطربين سيتغنى بالاغنية الشهيرة (بنادي عليك) للفنان فريد الأطرش، وخضت التجربة رغم صعوبة العمل.
* محمدية من الثغر إلى الخرطوم؟
– عند الرحيل للعاصمة وجدت معارضة شديدة جداً من أعضاء فريق الثغر، ولكن بعد الإلحاح على مواصلة دراسة الموسيقى تركت الكرة. ومن الأشياء الغريبة أنني في ذلك اليوم كنت أخوض مباراة مهمة مع الفريق، ومباشرة من ميدان الكرة إلى القطار لبداية رحلة جديدة.
* أبرز الطرائف؟
ـ في زواج خميس مقدم الفنانة عائشة الفلاتية رفضت أن أعزف خلفها، وتفسيري للاعتراض إنه قمة المسؤولية وليس عجرفة أو تعالياً، لأن العازف جزء كبير من العمل، وإصرار عائشة على ألا يعزف خلفها من لا تعرفه بدون مجاملات علمني جودة الأداء.
* بعض الفنانين لا يهتمون بالعازفين؟
– عائشة الفلاتية رفضت أن اعزف خلفها عام 1964م، وهي في ذيل قائمة المبدعين، وذلك عبرة لمطربي اليوم لمعرفة أهمية العازف الموسيقي الذي يوصل الفنان لبر الأمان، والعازف يمثل أحد الأضلاع الأربعة في المربع الفني، الشاعر والملحن والفنان والعازف.
* فنانون توقعت لهم الشهرة؟
ـ رشحت من الفنانين المبتدئين محمد الأمين، ورأيت فيه وقتها كل الإمكانيات والصلاحيات التي تجعله فناناً ناجحاً، وصوته كان قوياً مع ذكاء فني، وقد كان بالفعل. وقلت إن العاقب محمد الحسن فنان سابق لأوانه، وآجلاً او عاجلاً سيأتي يوم يعرفه فيه الناس وقد تحقق هذا أيضا.
٭ أبناء جيلك من الفنانين والعازفين؟
– أنا اعتبر معاصراً، اذ عاصرت الكاشف وأحمد المصطفى وعثمان حسين وعبد الحميد يوسف، وكنت سعيداً بمشاركتي في العزف مع هؤلاء العمالقة، كذلك عزفت مع العمالقة الخواض وعربي وعبد الفتاح الله جابو، وعندما تشترك مع هؤلاء فإنك تسمع الدرر من الألحان من تلك الأنامل الذهبية التي تعلمنا منها احترام الفنان والتعامل مع النغمة بجدية واحترام المواعيد والافتخار بالموسيقى السودانية، فكل واحد من الذين ذكرتهم كتاب نتعلم منه كل القيم الاجتماعية والفنية.
حوار: أماني شريف مزمل- حكايات