يا السودان .. بقيت ما زي زمان

[ALIGN=CENTER]يا السودان .. بقيت ما زي زمان !! [/ALIGN] قد لا يشكل مرور الايام وتتابعها الكثير من الاختلافات في نمط وشكل الحياة .. الليلة زي امبارح والاتنين بيشبهو بكرة، ولكن مرور الايام يكوّن الاسابيع ثم الشهور التي تسلمنا للسنين فتنتظم حباتها عقود ..
وحينها فقط عندما نتحسس عقود أعمارنا، نستطيع بسهولة ان نميز حجم التغير الذي طرأ علي حياتنا، وعظم التحولات التي وقعت على نفوسنا ومجتمعاتنا .. وبهذا التحسس نستطيع أن نميز كيف أن تقدم خطوات السنين إلى الامام قد صحبه الكثير من التراجع خطوات تنظيم إلى الوراء، فمع تطور الحضارة والمدنية وازدياد الوعي الديني تراجعت القيم والاخلاق في زمانا الأغبر نحو عصور سحيقة، كان التعامل فيها يتم حسب قانون الغابة الصريح (القوي ياكل الضعيف) .. وكدي تعالوا نحسبا سوا:
– زماآآآن .. زمن جدودنا الاولون، لم تكن معاقرة أم الكبائر عيبا يعاب به الرجال، ولا يستتاب عنها إلا بعد حج البيت في ارزل العمر، أما التدين والالتزام بالصلاة فـ صفة مصاحبة للتقدم في السن والشيخوخة، لا يسأل عن تركها الشباب .. وكانت صلاة غير القواعد من النسوان عجبة، أما (المرة الصلاية) فيستعاز من شرّهاهي والجدادة العوعاية على حد السواء !
– وكانت الخلوة تقوم مقام وزارة الشئون الدينية والاوقاف وشيخ الطريقة الصوفية هو قاضي القضاة ومفتي الديار كلمته مسموعة وطلباته أوامر .. وان طلب منك أن (تقوم تقع البحر) في البرد الشديد ده .. تقوم بي دربك فـ أنت لا تستطيع حتى ان تطلب منه تأجيل الامر لمان تدفى حبة !
بالمقابل كانت القيم والاخلاق السمحة هي منبع عرف التعاملات .. توقير الصغير للكبير ورحمة الكبير بالصغير .. مهما كان صغر الصغير وكبرالكبير، كان الرجل (كلمة) وكان (الراجل بيتمسك من لسانه) فان وعد أوفى وان حدث صدق وان اؤتمن حفظ الامانة بروحه ودمه ..
– كان التعدد نعمة والعدل بين الزوجات واجب يُُزّم تاركه، فقط سمعت من جداتي عن قصة أحد جدودي والذي كان عندما يذهب للسوق كي يشتري لزوجتيه (تياب الزراق) كان يحرص على أن يختار للاثنين نفس النوع والخامة واللون، بل ويصر على البائع أن يضع التوبين على كفتي الميزان حتى لا يكون احدهم اثقل من الآخر !!
كانت الزوجة الأولى الزمان، عندما يبلغها الزوج عن عزمه على الزوج تكتفي بالقول:
أبشر بالخير .. الله يقدّرك وتشيل.
وكان أشقائها هم من يتكفلوا باتمام الزيجة، وان لم يفعلوا فقد قصّروا ويعزى الأخريين ذلك التقصير بأن الموضوع (واجعم) .. مع ان الاصل في الحكاية أن يوجعهم الردف فوق اختهم!
ولكنها الاصالة والقيم السمحة التي تجعل تربية اطفال الاثنتين، تتم في جو سليم ملئ بالمحنة ومعافى من العقد .. وتكون مناداة الأمّين من الأطفال بـ (أمي فلانة) و(أمي علاّنة) !
ولي تجربة شخصية في (الحتة دي) فقد تزوج جدي لابي في حياته أربعة زوجات عاش ابناؤه منهن تحت سقف بيت واحد .. وبدون مبالغة فأنا لم أكن أميز – حتى بلغت من العمر عتيا – بين أعمامي وعماتي .. أيهم أشقاء أبي (لزم) وأيهم (أولاد أبوه) !
أما الأمانة والصدق في التعامل المالي والتجاري فكان يقاس بـ ميزان الدهب أب كفةً راجحة .. لا غش ولا ربا ولا كسر ولا شيكات طائرة كما في سماء اسواق اليومين ديل ! فرغم الوعي الديني والالتزام بالصلاة في المساجد والذي صار سمة من سمات هذا الزمن، إلا أنه لا يشكل أي عائق يمنع التاجر من الغش ورمي الطلاقات والايمانات الكاذبة .. يمين وشمال!
– كان الصانع يتفانى في اتقان وتجويد صنعته .. فبينما لا نزال نحتفظ في بيتنا الكبير بأسرة وطرابيز عاصرت زواج أمي، ابليت أنا شخصيا ما لا يعد من الطرابيز المخلخلة، فما أن نشتري طقم الطرابيز بي جاي، حتى تتفرطق طربيزاته وتتكسر كرعينا واحدة ورا التانية أمام أهون نطّة للعيال من فوقها .. قبال حتى ما نخت فيها موية لـ ضيف!
وبينما ما زال (فندك البن) الذي احضره ابي في شيلة أمي يعمل بكفاءة، ابليت أنا بدون مبالغة منذ زواجي أكثر من عشر فنادك، فأمام أول خبطة من اليد ينفقش الفندك إلى نصفين أو يتنصل وينفصل البودي عن الشاسي .. لـ الما بعرف لغة العربات ده معناهو أنو الأرضية أو قاعدة الفندك تبقى براها وباقي جسم الفندك براهو .. .. و …. غايتو الله يهون !

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version