وتحمل لنا الأخبار في ما بلغنا وسمعنا أن البرازيل هزمت قبل أن تصل النهائي بسبعة أهداف، وهو مما يبيّن أن المدعو بلة الغائب دجّال كذّاب يدعي معرفة الغيب ويخبر به وهو في ذلك يفتري على الله تعالى.. وفي المنقول أعلاه في هذه الكهانة التي تبيّن كذب مدعيها بجدارة قوله: «أنا متأكد ألف في ألف» ، قلت: يناسب أن يخاطَب بعبارة العامة رداً على قوله «متأكد ألف ألف» أن يقال له : إذاً «قوم لِف»!! ولكن من يقنع هذه الصفحات التي تنشر مثل هذا الهراء؟! ومن يقنع تلك القنوات التي تستضيف هذا المُدّعي والمتكهن والمتخرّص والمفتري على الله؟!!
في مقال سابق نشرته بهذه الصحيفة عنوانه: «إلى القنوات الفضائية .. قبل «بلة الغائب»» ذكرت معاناة مجتمعنا من بعض وسائل الإعلام التي تنشر الدجل والشعوذة والكهانة، ويترتب على ذلك من القيل والقال والخلاف والتشكيك في الثوابت لدى بعض من قلّ علمهم.. ولكن مع التذكير والتنبيه مني ومن غيري إلا أنه لا تزال تلك الوسائل ترى أنها لما تنشر مثل هذه الفرى والأكاذيب فإن ذلك سيزيد عدد النسخ المشتراة، أو يزيد عدد المشاهدين بالنسبة للقنوات!! ولا بارك الله في من بحثوا عن زيادة عدد القراء أو المشاهدين بهذه الوسائل المحرّمة. وقد أفادني بعض الإخوة أن المادة «26» من قانون النظام العام لعام 1996م لولاية الخرطوم تحظر ممارسة الدّجل والشعوذة والكهانة والعرافة، فكيف بنشرها وترويجها، وتزيين مدعيها وتسليط الأضواء عليهم وتقديمهم للمشاهدين، ومشاققة الله ورسوله بادعاء الغيب الذي اختص الله سبحانه وتعالى به؟! إن كانت الصحف والقنوات تعلم أن بلة الغائب وأمثاله كاذبون في دعواهم علم المغيبات فلماذا تستضيفهم؟! ولماذا تتيح المجال لنشر تخرصات ودعاوى وأكاذيب ؟! ولماذا تزيد من الفوضى ونشر الباطل الذي يؤدي إلى مزيد من النزاع والخلاف؟! وإذا كانت القناة أو الصحيفة تعلم أن بلة الغائب ليس له أن يعلم الغيب إذ هو من خواص ربوبية الله تعالى فلماذا تنشر باطلاً كهذا وتساهم في الضلال والإضلال؟! وإذا كانت القناة أو الصحيفة التي يجب أن تكون مهمتها في التوعية والتوجيه والإسهام في نشر الفضائل إذا كانت تعلم أن مدّعي علم الغيب دجّال فلماذا تمكن من يدعي ذلك من سمع ونظر الناس بمختلف توجهاتهم وأعمارهم واطلاعهم وعلمهم وثقافاتهم؟! وهل علمت القناة أوالقنوات الفضائية والصحف التي تستضيف بلة الغائب أوتنقل دجله أو دجل من هو على طريقته، في ادعاء معرفة المغيبات أن مما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام الوعيد الشديد لمن أتى كاهناً أو عرافاً.. فإن صدّقه فقد كفر بما أنزل على محمد عليه الصلاة والسلام.. ومن أتى الكاهن أو العراف ولم يصدقه وإنما ليرخي سمعه له ويجلس عنده كانت عقوبته أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً؟!
لقد ثبت كذبك يا بلة الغائب، وأنت غائب عن الحق وعن العلم، وعن الحياء من الله ثم من خلقه، وإن كان قبل هزيمة البرازيل أنت كاذب وحتى إن انتصرت فأنت كاذب وقد ثبت كذبك على أعلى المستويات.. فهلا جلست في بيتك وقرأت وتعلمت من القرآن والسنة والكتب النافعة ما يخرج عنك ما ابتليت به من هذا الضلال والإضلال. ونحن في هذا الشهر الكريم اقرأ في القرآن الكريم تجد قول البارئ: «قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ» وقوله تعالى: «وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ» وقوله تعالى: «قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» وقوله تعالى: «وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ» وقوله تعالى: «وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ» وقوله تعالى:«قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ» وقوله تعالى:« ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ» .. هذا هو محكم القرآن، تجد فيه نفي علم الغيب عن أحد من خلق الله في ما أثبته الله لجميع الرسل والأنبياء فخليل الله إبراهيم لم يعلم أن ضيوفه ملائكة فذبح لهم وقرب إليهم الطعام!! ونوح أول الرسل لم يعلم أن ابنه لم يؤمن!! وآدم لم يعلم ما يصيبه من أكل الشجرة فظنه الخلد وملكاً لا يبلى!! وسليمان لم يكن يعلم عن ملك بلقيس ومملكة سبأ إلا بخبر الهدهد!! وزكريا لم يكن ليعلم أن الله سيرزقه بيحيى السيد الحصور النبي الصالح!! والملائكة لم تكن تعلم أسماء ما سألهم الله عنها حتى قالت «لا علم لنا إلا ما علمتنا» والجن أخبر عنهم الله بأنهم لا يعلمون الغيب وذلك في قصة موت سليمان عليه وعلى جميع الأنبياء السلام، قال الله تعالى: «فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين». واقرأ في سنة النبي الكريم تجد فيها ما تخرج به بتوفيق الله من الغواية إلى الهداية، ومن ذلك قول الملائكة للنبي عليه الصلاة والسلام يوم القيامة لمّا تردُّ الملائكة المبتدعة من حوضه ويقولون له: «إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك» ؟! وبذات المعنى ما ورد في قصة الإفك وانتظار النبي عليه الصلاة والسلام الوحي، وما ورد في بيعة الرضوان التي كانت بالحديبية على أثر خبر أن أهل مكة قتلوا ذا النورين عثمان رضي الله عنه ولم يقتل إذ ذاك، وقد ورد في صحيح البخاري من حديث الربيع وفيه : «قَالَتْ جَارِيَةٌ وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَقُولِي هَكَذَا وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ» وفي رواية الترمذي :«اسكتي عن هذا وقولي الذي كنت تقولين قبلها».
وتجد في البخاري وغيره عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَا أُمَّتَاهْ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم رَبَّهُ فَقَالَتْ لَقَدْ قَفَّ شَعَرِي مِمَّا قُلْتَ أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلاَثٍ مَنْ حَدَّثَكَهُنَّ فَقَدْ كَذَبَ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ «لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» «وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا ، أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ» ، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ «وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا»، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ فَقَدْ كَذَبَ ثُمَّ قَرَأَتْ «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» الآيَةَ وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ.
إننا ننتظر من وسائل الإعلام أن تسهم في نشر الصواب والحق والنافع من المواد وأن تنأى عن نشر الخطأ والباطل والضار من المواد.. ويكون الهدف هو التوجيه والتصحيح ومعالجة الأخطاء والمظاهر السيئة التي تنتشر.. ولا يكون الهدف هو الشهرة والإثارة واستغلال الوسائل التي توصل إلى ذلك وإن كانت على حساب ثوابت الدين .. فإن الغاية لا تبرر الوسيلة.. وأتمنى أن يقوم مجلس الصحافة وجهات مراقبة المنشورات وما تبثه القنوات بدورها، حتى يقطع دابر هذه المهازل والفوضى، وأعلم عن نية كثيرين لفتح بلاغات رسمية لمقاضاة من ينشر مثل هذه المواد السامة والأكاذيب المضلة..
صحيفة الإنتباهة
د. عارف عوض الركابي