«شماشة مدني»

[JUSTIFY]
«شماشة مدني»

٭ أحد قيادات حكومة ولاية الجزيرة حسبما نقلت الغراء (الأيام) أمس نقلاً عن المركز السوداني للخدمات الصحفية، حمّل مسؤولية ما جرى من احتجاجات بحاضرة الولاية ود مدني الى مجموعة وصفها بالمتشردين قال إنها كانت وراء ما جرى بالمدينة الأول من أمس، ولفظة «المتشردين» رغم قساوتها ومرارتها إلا أنها تعتبر اسم الدلع والصفة الملطفة لمن يعرفون في الاوساط الشعبية بـ «الشماشة» أو «الشماسة»، وقد بدا من حديث القيادي هذا وبالصيغة المنقولة عنه أنه أراد أن يُسفّه الذي جرى بمدني ويقلل من قيمته بنسبته الى «الشماشة» وليس الى فئات أو شرائح أخرى من مجتمع مدينة مدني أو على الأقل جعله معمماً على مجموعة من المواطنين دون أى وصف أو تصنيف، وذلك باعتبار أن «الشماشة» فئة منبوذة وملفوظة من المجتمع لا قيمة ولا أهمية لها، وبالتالي لا يخرج أى عمل تقوم به عن كونه ضرباً من الشغب والإجرام، والحقيقة ليس هذا القيادي الولائي وحده من لجأ الى اتخاذ «الشماشة» تكئة يُلقي عليها تبعة الذي حدث في ولايته من تظاهرات صاحبتها انفلاتات، بل ظل هذا ديدن صاحب كل سُلطة تواجهه احتجاجات وهتافات مضادة تندد بسياساته وتطالب بذهابه، فحتى رئيس نادي الهلال الأمين البرير حين واجه معارضة واعتصامات بدار النادي وهتافات ضده إبان أزمة لاعب الهلال الأشهر هيثم مصطفى (البرنس)، وصف هو وإعلامه المساند له هؤلاء المعارضون المحتجون بأنهم شرذمة من «الشماشة»، والحقيقة الاخرى هى أن ما قاله قيادي الجزيرة بشأن تظاهرة مدني لم يكن «إبداعاً» أو ابتداعاً جديداً من هذا «الانقاذي» بل سبقه عليه قياديون حكوميون منذ عهود ما قبل «الإنقاذ» وخاصة في عهد مايو الذي كثر فيه استخدام هذا الوصف وإطلاقه على أية تظاهرة احتجاجية ولو كانت من قضاة ومحامين يرتدون أروابهم المعروفة.
ولكن دعونا نفترض صحة أن من خرجوا في تظاهرات مدني كانوا فعلاً «شماشة» وأن هذا القيادي الولائي لم يخطئ الوصف بل كان موفقاً وصادقاً فيه، فهل هذا مدعاة للتقليل من شأن الذي جرى بمدني وتهوينه والاستهانة به أم العكس، وبرأيي المتواضع أنه يستحق جرعة اهتمام أكبر، فشريحة «الشماشة» وبشواهد تاريخ الهبات والانتفاضات كانت ذات أثر مؤثر ودور ملموس فيها ولو كانت دوافعهم وأغراضهم مختلفة وتخصهم لوحدهم، كما أن مجرد وجودهم كشريحة معزولة ومضطهدة في المجتمع تلتحف الأرض وتتغطى بالسماء وتقتات من القمامة، فهذا وحده دليل إدانة لكامل النظام الاجتماعي في البلد، ودليل على الفرز الطبقي جراء سياسات معينة أنتجت حروباً وخراباً وتدهوراً أدى في المحصلة إلى إنجاب «أبناء الشمس» هؤلاء، ولو يذكر هذا القيادي الولائي وغيره من قياديين رسميين ولائيين ومركزيين كانوا قبل «الإنقاذ» مواطنين عاديين شهدوا وعاصروا انتفاضة أبريل التي أطاحت مايو وربما فيهم من شارك فيها، كيف كان لهؤلاء «الشماشة» دور واضح وبارز في تلك التظاهرات التي سبقت إعلان الجيش انحيازه للشعب، بل كان لهم قصب السبق في كسر حاجز الخوف مما مهد الطريق لاندياح التظاهرات وتواليها، وبغض النظر عن أى تصنيف لمن تظاهر، نسأل أيهما أفضل، إتاحة فرصة للتنفيس وإخراج الهواء الساخن خاصة بعد الاعتراف الرسمي بأن الإجراءات الاقتصادية الأخيرة جراحة مؤلمة ولكن لا بد منها، شريطة ابتعاد المتظاهرين عن أية عمليات تخريب، أم قمعها وحبسها داخل الصدور لتمور وتفور بداخلها حد الانفجار؟ أرجو ألا تستهينوا بـ «الشماشة» وأن تَدَعوا الناس يشكون حالهم، وهل يجوز لمن يصفع أحداً أن يمنعه حتى حق البكاء؟!
[/JUSTIFY]

بشفافية – صحيفة الصحافة
حيدر المكاشفي

Exit mobile version