نتمسك به وضد الهروب والانهزام

[JUSTIFY]
نتمسك به وضد الهروب والانهزام

ما عندي ليك شي !!
تململت في مقعدها وهي تتلفت كغريق يبحث عن قشة وش عرفة، تمنت أن تنقذها من حرج الموقف، ولو كانت القشة في صورة وصول واحدة من صديقاتها لمجلسهم النائي تحت ظلال اشجار اللبخ في تلك الكلية العريقة، فبعد طول تهرب اجبرها الحاح (مجدي) على الرضوخ لطلبه المتكرر كلما زار الكلية مؤخرا بحجة استخراج بعض التفاصيل لشهاداته:
لو سمحتي يا سميرة يعني .. دايرك في موضوع .. دقائق كدا على جنبه
كانت معرفتها بمجدي تمتد لأكثر من عشر سنوات هي عمر زواج شقيقتها من ابن عمه، والتقاء العائلتين بالنسب ثم الجوار عندما انتقلت اسرتها للسكن في الحي الذي تقيم فيه اسرة مجدي .. طوال سنين مراهقتها وقبل ان ترتاد الجامعة كانت تجاهد ان تخفي عن من حولها انبهارها وافتتانها به، فقد كان وقتها طالبا بنفس الكلية التي تدرس بها الان، وكان محط انظار الفتيات ومحور اهتمامهن بوسامة وحلاوة لسان جعلته فارسا لاحلام الحسان، ولكن يبدو ان ما كانت تحاول ان تخفيه قد بان، فقد شعرت بأنه يخصها بمعاملة خاصة كانت تحت انظار الاسرتين ورضاهم، ولكن انقطع ذاك الحبل الرفيع من التواصل بسفره المفاجئ مهاجرا لاحدى الدول الاوربية لمواصلة الدراسة والعمل ..
مرت سنوات كبرت فيها سميرة ودخلت للجامعة، وتلاشى من وجدانها ذاك الانجذاب الطفولي نحو مجدي، خاصة وانه لم يتغذي باي نوع من انواع التواصل، واختصرت العلاقة على لقاءاتهم العابرة وبالصدفة في المرات القليلة التي عاد فيها لزيارة السودان، ولم تتجاوز التحية والسؤال عن الحال والاحوال، حتى عاد مؤخرا وقد سمعت همسات في الاسرة بأنه قد نوى الزواج ..
بفطرتها الانثوية كانت تتهرب منه كلما التقته في حرم الكلية وقد كثر تردده عليها، فلم يخف عليها السبب في تلك الزيارات المتكررة .. اسرت لرفيقاتها عندما اتهمنها برفس النعمة خاصة وقد بانت للعيان رغبته في التقدم لخطبتها .. كانت تحتج بالقول:
اسوي شنو يا جماعة .. ما عندي ليهو شيء .. اكضب على روحي يعني ؟ ثم انو أنا عمري ما فكرتا يوم اعيش برا السودان ..
ناكفوها بـ (اصلك وش فقر .. فيهو شنو السودان غير الحر والضبان) فتجيبهم بحكمة أحمد شوقي (هب جنة الخلد اليمن .. لا شيء يعدل الوطن) ..
حتى حاصرها اليوم واصر ان يجلس اليها لمدة دقايق ليناقشها في موضوع .. حكى لها عن غربته .. عمله .. اماله وتطلعاته .. نيته في الزواج .. واستفسرها ان كان هناك احدا في حياتها، فنفت ذلك ولكنها اعتذرت بلطف بأنها لا تنتوي ان تقطع دراستها، ولا تطمع او تتمنى ان تغادر السودان لاي سبب كان، فهي تكره السفر ووحشة وكآبة الغربة ..
سألها وقد ساء كرامته هذا الرفض، عن المشاعر الجميلة والود الخاص الذي كان بينهم، فاعتذرت بانها كانت مجرد اوهام مراهقة وقد تجاوزتها ولم يتبقى له في قلبها غير صافي الاخاء ..
حل صمت متوتر بينهم ظل مجدي يعاني فيه من جرح الكرامة، ويسأل نفسه في غيظ كيف تجرؤ هذه المجنونة على ان ترفض الوعد بالنعيم الذي يقدمه لها، وقد اختارها دون الحسان اللاتي ينتظرن اشارة من يده .. بينما راودتها مشاعر الشفقة والاسف على كسر الخاطر الذي تسببت به لمجدي ..
تنهدت عندما لم يسفر تلفتها عن رؤية احد لينقذها، ونظرت لساعتها ثم مالت تجمع دفاترها من فوق المسافة الفاصلة بينهما على المقعد الاسمنتي وهي تقول معتذرة:
يعني معليش يا مجدي استأذن بعد كدا .. داخلة لي محاضرة بعد خمسة دقايق
وقف متكاسلا بعد وقوفها فمدت له يدها مودعة .. صافحها وهو يقول بتكلف:
طيب .. نبقى نشوفك .. ما تبقي علينا عزيزة
اجابته وقد غمرها شعور بتأنيب الضمير:
نحنا اخوان يا مجدي ياخ .. ما تقول كدا
عندما خرج مجدي من الجامعة التقى بصديق قديم كان قد حكى له بنيته خطبة سميرة، وعندما سأله عن الحاصل ابت عليه كرامته ان يعلن رفضها له فقال لصاحبه في غرور:
ياخ لقيت روحي ما عندي ليها حاجة .. دي قصة قديمة وانتهت !
وعندما عادت هي حكت لصديقاتها عن حرج الموقف، فذكروها بأنها قد تندم حين لا ينفع الندم، فهزت رأسها وهي تكرر لنفسها بثقة .. (لا شيء يعدل الوطن ) !
[/JUSTIFY]

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]

Exit mobile version