الطيب مصطفى: أرايتم كيف سقط غندور في امتحان المصداقية واسقط معه آخر ورقة توت يتدثر بها المؤتمر الوطني ؟!

عدنا والعود أحمد والحمد للـه رب العالمين ولعل كلمتي في الصفحة الأولى(منشورة أسفل المقال) تكفي للاحاطة بموضوع العودة فلننطلق إلى الامام فأمامنا ملفات كثيرة وتحديات وأولويات وطنية تحتاج إلى التناول وسكب المداد .

حوار الطرشان
يبدو أننا اسرفنا في التفاؤل حين (اندعرنا) بدون تبصر وصدقنا احاديث الوثبة وغيرها من الوعود السراب ولست أدري هل يجوز لنا أن نعترف الآن بكل شجاعة بأن من رفضوا الحوار بحجة أن المؤتمر الوطني ليس جديراً بالثقة ولا يجوز منحه شيكاً على بياض كانوا أكثر حنكة سياسية منا نحن المخدوعين ؟! الا يعني ذلك انه كان الأولى أن تطالب القوى السياسية بضمانات وتقدم شروطاً قبل أن ننخرط في الحوار بما في ذلك إلغاء القوانين المقيِّدة للحريات بما يتوافق مع الدستور وكبح جماح تصرفات المؤتمر الوطني التي أقدم عليها بعد ذلك (وفطّس) بها الحوار ؟
مسكين صديقي بروف غندور الذي وجد نفسه في موقف مُحرج أفقده مصداقيته التي كان قد أكتسبها بحنكته السياسية التي تجلت خلال جولات التفاوض التي خاضها بنجاح تام في أديس أبابا ، فقد ألجأته مواقف حزبه المتناقضة رغم الثقة التي نالها من كثير من الأحزاب بسبب تعامله الراقي ولسانه المنضبط .. ألجأته إلى الدفاع عن تلك المواقف الأمر الذي جعله يترنح فاقداً ذلك الألق وتلك (الشطارة) التي ظننا أنها ستمكنه من قيادة سفينة الحوار من خلال إقناع مراكز القرار داخل مؤسسات الحكم والتغلب على مراكز القوى الرافضة للحوار في أجهزة الحزب الحاكم ولكن !
للأسف فقد اضطر غندور إلى بلع تصريحاته حول الحكومة الانتقالية التي كان قد ألمح إلى امكانية الموافقة عليها فها هو يضطر مرغماً إلى السير باتجاه تعكير أجواء الحوار من خلال تصريحه الكارثي الذي أغلق به الباب أمام تشكيل حكومة انتقالية أو قومية وبالتالي كسر به عنق الحوار وارداه قتيلاً.
العجيب أن غندور رغم غياب كل القوى السياسية المعارضة عن جلسة البرلمان المخصصة لمناقشة قانون الانتخابات تحدث بلسان السيد الصادق المهدي الذي قاطع تلك الجلسة وقال إنه (أكد لنا تمسكه بالحوار) الأمر الذي نفاه حزب الأمة في اليوم التالي مباشرة ! أرايتم كيف سقط غندور في امتحان المصداقية واسقط معه آخر ورقة توت يتدثر بها المؤتمر الوطني ؟!
نائب رئيس حزب الأمة اللواء فضل لله برمة ناصر أعلن بالأمس عن تجميد نشاط الحزب في الحوار الوطني ووضع ستة شروط لاستمراره مؤكداً أن الهدف الاستراتيجي للحوار الوصول إلى حكومة قومية انتقالية لا تعزل احداً ولا يسيطر عليها أحد .
أعلم يقيناً أن معظم قوى المعارضة سواء التي استجابت لدعوة الرئيس بقاعة الصداقة واعلنت موافقتها على الحوار أو تلك التي رفضت ووضعت شروطاً للمشاركة في الحوار .. أعلم أنها جميعاً زاهدة في حوار (الطرشان) الذي يريد المؤتمر الوطني من الجميع أن ينصاع له بدون أدنى قيد أو شرط الا ما يقرره الحزب الحاكم الذي يعمل بفقه فرعون (ما اريكم إلا ما أرى وما اهديكم الا سبيل الرشاد)
غندور قبل ذلك كان قد صرّح بأن الرئيس سيجتمع بالقوى السياسية المؤيدة للحوار خلال أيام .. لكن الأيام مضت ولم ينعقد اللقاء الذي طال انتظاره واذا اضفنا ما تعرض له رئيس كتلة المؤتمر الشعبي داخل البرلمان من طرد والتضييق على الحريات الذي بدأ باعتقال السيد الصادق المهدي واستمر بعد ذلك بمزيد من الاعتقالات التي لا يزال ضحاياها يقبعون في السجون مع التضييق على الحريات الصحفية فان ذلك كله يكشف أن الوثبة لا تختلف عن سابقاتها من وعود فارغة سرعان ما يطويها النسيان .
وليت غندور يتخذ موقفاً قوياً يشبهه ينتصر فيه للمبادئ والقناعات والوعود التي نكص عنها حزبه بل ينتصر فيه للسُّودان المتدحرج نحو المجهول بدلاً من الانصياع لقوى الدولة العميقة داخل حزبه والتي تسوق السُّودان نحو مواجهة نرى ارهاصاتها في محيطنا الجغرافي الملتهب بحروب أهلية توشك أن تقضي على بعض دوله المثخنة بالجراح .

كلمة من الطيب مصطفى ناشر الصيحة بمناسبة رجوعها

وعادت الصيحة ولأسباب معلومة لن نغرق في شرح ما حدث فليعذرنا قراؤنا الكرام إن قفزنا إلى المستقبل مستدبرين الماضي بكل جراحاته ولأوائه وأحزانه وتضاريسه.
عادت الصيحة وكفى.. عادت لتزأر من جديد، مدويَّة، مزمجرة، صادعة بالحق وعاقدة العزم أن تكون كما كانت لا تدهن ولا تهادن ولا تداهن ولا تأخذها في الحق لومة لائم.
لقد ملأت الصيحة الدنيا وشغلت الناس كما ظلت تفعل منذ صدورها لا لسبب إلا لأنها كانت تعبّر عن ضمير انسان السُّودان الذي نريده عزيزاً كبيراً كريماً نبيلاً شهماً شجاعاً أميناً كما كان من قديم .. ذات الصفات التي عُرف بها بين العالمين وظل يتغنى بها ويفاخر في أدبه الشعبي قديماً وحديثاً وهل تعلو قيمة الإنسان واحترامه بين الشعوب إلا بعلو وطنه وشموخه بين الأمم؟
عادت الصيحة لتعبرّ عن ضمير هذا الوطن العزيز .. وطن كان كبيراً تستشفي الأمة جمعاء من عللها في عاصمته ولا تجد بعد هزيمتها النكراء في حزيران 1967 من يُضمّد جراحها ويعيد إليها الثقة في نفسها من جديد غير خرطوم اللاءات الثلاثة.. نعم لم يكن بمقدور عاصمة غير الخرطوم أن تصالح الملك فيصل والرئيس عبد الناصر وتجمع بقية الزعماء العرب.. يومها كانت معظم العواصم العربية التي تملأ سمعتها اليوم آفاق الدنيا صغيرة هزيلة مقارنة بخرطوم تلك الأيام .. فأين نحن الآن ودويلات صغيرة تجمع شتاتنا وتحاول رتق ما انفتق من ثوبنا الممزق وجسدنا الممتلئ ببثور الضعف والهزال؟
لا نذيع سراً ان قلنا إن قوة الصيحة التي جعلتها تحتل مكاناً علياً بين الصحف الكبرى في السُّودان خلال شهر واحد من صدورها تكمن في جُرأتها وانحيازها إلى الشعب الذي ظلت تدافع عن حقوقه وتتصدى إلى الفاسدين ممن ظلموه ونهبوه وأفقروه حتى فرَّ كثيرٌ من أبنائه إلى المهاجر البعيدة بحثاً عن لقمة العيش الذليل بعيداً عن حضن الأم والأب والزوجة والأطفال.

هل نستفيض في العويل على حالنا أم أن الليالي من الزمان حبالى بما ستكشف عنه الصيحة التي آلت على نفسها أن تنحاز لهذا الشعب العزيز ولهذا الوطن الشامخ .. لا تحيد عن ذلك قيد أنملة مهما تكسرت عليها النصال واشتد عليها الابتلاء.
لم تتآمر الصيحة على أمن هذا الوطن بل كانت على الدوام سلماً على أوليائه حرباً على أعدائه خاصة ممن يحملون السلاح رغم علمهم بما فعل أشباههم ببلاد أخرى دمرتها الحرب الأهلية وما الصومال وافغانستان والعراق وليبيا وسوريا عنا ببعيد فقد قضت الحرب على بعض تلك الدول وتوشك أن تقضي على البقية.
ظللنا على الدوام ملتزمين بالدستور والقانون طالبين من الحكومة أن تكون أكثر التزاماً بهما كما ظللنا منحازين للقوات المسلحة السودانية بل ظللنا نفرد صفحة اسبوعية لقدامى المحاربين وأخرى لساحات الفداء محتفين بتلك التجربة الفريدة التي قدمت نماذج وصوراً فريدة للجهاد والمجاهدين والشهداء الذين رووا تراب هذا الوطن العزيز.
ولدت الصيحة بأسنانها واحتضنها الشعب السُّوداني الذي رأينا منه تعاطفاً عجيباً ومؤازرة حميمة طوق بها أعناقنا حين غابت الصيحة الأمر الذي يجعلنا أكثر حرصاً على السير في ذات الطريق المليء بالأشواك أملاً في غدٍ مشرق يستحقه هذا الشعب الصابر وهذا الوطن الشامخ.
الشكر أجزله للمجتمع الصحفي الذي قدَّم مذكرة ضافية إلى السلطات المختصة طالب فيها بعودة الصيحة وظل يتابع بتعاطف كبير أخبار عودتها إلى أن تحقق ذلك وأخص (مجموعة القيادات الصحفية) (بريس ليدرز) في الواتساب بشكر وتقدير خاص لن أنساه لأفرادها الأعزاء.

خبر ذو صلة
الأمن السوداني يعلق صدور صحيفة “الصيحة” المستقلة إلى أجل غير مسمى
بعد يوم واحد من السماح لها بالصدور
Exit mobile version