(سماح محمد بانقا) زهرة في ريعان الشباب، وغض الصبا عمرها (13) عاماً، متفوقة أكاديمياً، ضحوكة ومرحة.
سماح من أسرة تعليمية لها إرث من الحكمة والحلم الجميل، ونصيب من حب الكادحين، وولاء حينما يكذب أهليه الأمين، ولهم في تعليم الشعب عرق.
أسرة من الأساتذة والمعلمات، ما تزال تعطي في حقول التعليم من الخمسينيات (الجد والوالدة والخالات). ضحكة سماح تشرح صدر والديها وتسعد الجيران وتزيل عن الوالديْن عناء الكدح اليومي في طلب الرزق الحلال.
(سموحة) لوالدها بلسم وعطر وهناء، مثل أمونة في قصيدة هاشم صديق:
في ساعة التعب والخوف
تشيل خطواتي وأمشي عديل
دحين خاتي أكان يا يُمة
صبحت نفسي ساعة الكتمة
من ضيق الزمن والناس
وألقى دمي يفور
تمد إيدينا تمسح في العصب والرأس.
بعد معاناة ويأس في مستشفيات السودان، أجريت لها عملية زراعة نخاع شوكي بالقاهرة.
قضت هناك ما يقارب العام. ليس مهماً ما أنفق من مال في ظروف ترفّع الدولار واستعلائه لا ركوعه – على زعم وزير مالية البيتزا – لكن كل شيء سار على ما يرام، عادت إلى السودان، وذبحت الذبائح وفرحت العمات والخالات، كان كل المطلوب من الحقل الطبي في السودان أن يوفر لها زجاجتيْن من الدم المعالج إشعاعياً أو المفلتر.
زجاجتان فقط عند الحاجة – ولم تمض أيام واحتاجت سماح إلى الزجاجتيْن، فكانت المفاجأة غير السارة لا يوجد دم معالج إشعاعياً بالسودان، والجهاز الذي من المفترض أن يفلتر الدم واحد بمستشفى الذرة، ولكنه للأسف معطل!
تم الاتصال بالطبيب المصري، ودق يداً بيد ومطّ شفتيه إلى الأمام، ورفع حاجبيه فوق سقف النظارة ثم قال: (ما فيش حل تعالوا مصر)!
زجاجتان تفرضان على بانقا معركة أخرى للحصول على الدولار، والترتيب لعودة سماح إلى القاهرة، بعد ما أنفق بانقا كل ما يملك وما لا يملك في الرحلة الأولى، والعودة سريعاً إلى القاهرة، وإلا وإلا وإلا…..
وقبل أيام كتب الأخ الأصغر عطاف محمد مختار على هذه الصفحة قصة (عمر عبد الباقي)، الشاب العشريني الذي أصيب بصداع يجعله يفقد وعيه، حمله أفراد أسرته وتوجهوا به إلى مستشفى إبراهيم مالك، فلم يجدوا الأشعة المقطعية ولا جهاز سحب الدم ولا الطبيب المختص!
والصحف تتحدث عن تعطل جهاز فحص السكري بمستشفى الخرطوم، وعن قائمة انتظار لعمليات المخ والأعصاب التي تمتد إلى عام 2015..!
لا أزال على قناعة أن الدكتور مأمون حميدة يحمل أفكاراً استراتيجية لمعالجة أزمات الواقع الصحي في الخرطوم، ولكنها أفكار بلا سيقان، تهزمها الظروف، وتقعد بها الإمكانيات وثقافة العمل، كما أن الرجل – لطبع شخصي – أثار عليه كثيراً من العداوات التي كان يمكن تجنبها.
(سماح) يا بروف مأمون ليست استثناءً، أو حالة نادرة يمكن معالجة أمرها خارج المعتاد، هي نموذج وعينة توضح حالة اعتلال كبير في جسد الحقل الطبي السوداني، ربما لم تصل مرحلة (الغرغرينة) بعد!
[/JUSTIFY]
العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني