الإسلاميين و العلمانيين .
شهدنا جميعاً بعض تجليات دينامية التناقض و التفاعل الجدلي بين طرفي التحالف و ذلك في تبني بعض الإسلاميين لبعض شعارات و أشعار و غناء و تراث و أدبيات خصومهم التاريخيين حتى كادت أن تذوب الفواصل بين الأخ المجاهد و الزميل المناضل إذ لا تكاد تفرق بين الإثنين إلا بعد متابعة طويلة تكتشف في أثناءها ربما بالصدفة أنك أمام إسلامي ربما في تعليق على حدث خارجي أو رواية أو قصة تحكي عن تاريخه مع خصومه الحاكمين مما يجعل البعد الإسلامي الحركي مجرد تاريخ يرتبط بماضي الأشخاص لا بحاضر حركنهم السياسية و الفكرية و إن بقيت ظلال من شعار إسلامي خجول ينعي الفكرة أكثر من أن يقترح لها سبل الإحياء . و في المقابل لا نكاد نلحظ تأثير إسلامي يذكر على العلمانيين فكأن قانون التناقض و تكامل الأضداد قد تم تعطيله أو تم تفعيله ليؤثر في اتجاه واحد و ذلك بسبب تهافت طرف على الآخر و استسلامه و إرجاء التبشير بمشروعه إلى مرحلة لاحقة حتى لا تعرقل المشروع المشترك مما أدى إلى أن تكون العلاقة طولية و ليست تفاعلية تصاعدية تذهب من الأول إلى الثاني و العكس مما يجعل كلاً من الطرفين فاعلاً و منفعلاً ، مؤثراً و متأثراً في ذات الوقت . في الوقت الذي يجتهد التيار العلماني بكل قوة و تطرف للتبشير بمشروعه دون مراعاة للطرف الآخر، لذلك لم يعد مستغرباً أن تجد إسلامي يدافع بحماس عن أطروحات علمانية متطرفة و أن يتغزل في فتوحات أركون المعرفية و رسالة محمود محمد طه “العبقرية” و أن يحتفي بأن ( الشيخه فاطمه احمد إبراهيم حفظها الله لها إجتهاد فى تفسير القرأن الكريم ربما كانت اجتهاداتها”افضل” فى الوقت الراهن من إجتهاد ابن كثير اجتهاد وفق منهج تحليلى جديد لم اطلع عليه ولكن احسبه اقرب الى منهج المفكر محمد اركون الذي استخدم الديالكتيك الماركسي فى تفسير الكتاب العزيز ) و أن تجد من يؤكد أنه صاحب فكر إسلامي و يجزم بأن ( السياسة غير مرتبطة بالدين تماماً )
ولَّد الفكر الهجين جماعات مشوشة تقع في تناقضات جسيمة فهي قد تقبل بالجملة ما ترفضه بالقطاعي ( مثلاً هي لا ترد على الحملات المكثفة على أسس الفكر الذي تقول أنها تعتنقه و تتعايش مع ذلك و لكنها تنبري للرد حين يمس النقد قولاً أو موقفاً لأحد القادة و الرموز الذين ترضى عنهم فتحصن الشخص من النقد و تترك الفكرة نهباً لأقلام أعداءها هذا إن لم تشاطرهم في حفلة الهدم الممنهجة ، تنطلق أقلام و حناجر خصوم الفكرة لتفكيكها و بيان أن العوار يتلبسها في أصلها لا بسبب تطبيقات بشرية تحتمل القصور و الخطأ فيكون الرد إما بالصمت أو التأييد و تقديم شهادات معضدة تستمد قوتها من أنها شهادة شاهد من الأهل لا يجد حرجاً في أن يقدم هذه الخدمة طالما أن ذلك يتضمن نقداً للخصم حامل ذات الفكرة ، يمكن تفهُّم سعادة الشاهد بالنقد الذي يوجه إلى خصومه و لكن ما لا يمكن تفهمه هو أن يقدم قرابين من فكرته و لا يبذل أدنى جهد للدفاع عن أصلها و في سبيل ذلك يتحمل الإهانات و الاستضعاف فحلفاءه لا يجاملونه و يشنون عليه أبشع الحملات إما بتهمة الشراكة في المآخذ التي يأخذونها على الخصم (في فترة سابقة ) أو التواطؤ معه في الحاضر فرغم التناقض الظاهري فالفكرة واحدة فإن اتفقا على أن الحاكمين تنكبوا الطريق إليها فذاك في رؤية العلماني عيب في أصل الفكرة يجعل من الأولى مناهضة من يرى أنه الحامل الحصري و الأصيل لها و الأقدر على تنزيلها و حمايتها من الإنحراف ، لذلك فهو اتفاق تكتيكي هش سرعان ما أصيب بضرر جسيم بمجرد حدوث الإنقلاب في مصر ، و هذا لا يمنع أن يوجد بين هؤلاء من تختلط لديه مشاعر الغضب و الطرب للغزوات النقدية الجذرية القاسية فهي أن أرضته بوقعها المؤلم على خصومه إلا أنه سيجد في دواخله شيئاً ما يتألم بوخذاتها لأنها تنتهك فيما تنتهك شرفه الفكري و إن عزى نفسه بتحميل الذنب لخصومه الذين فرطوا في هذا الشرف فوجد الآخرون كعب أخيل ينفذون منه و لكن هذا العزاء لن يصمد كثيراً أمام الحقيقة الصارخة التي تؤكد أن بعضهم كانوا أدلاء يسلطون أضواءهم الكاشفة على كعوب أخيل مصطنعة – غير تلك الحقيقية التي لا تحتاج لأدلاء – يستغلها الخصم/الحليف لإنتهاك شرف الفكرة لا شرف حاملها فحسب .
أثبتت الأحداث بما لا يدع مجالاً للشك أن قيادة المؤتمر الشعبي و ربما الجزء الأكبر من عضويته كانت على دراية بمخاطر هذا النوع من التحالف فهو إن أرضى بعض النوازع فإنه لا يؤسس لمشروع و لا يخدم فكرة و لذلك رأينا جميعاً أنها تعاملت بكل مسؤولية عندما ظهرت وثيقة الفجر الجديد رغم تصريحات الأمين السياسي الذي بدا و كأنه كان يؤدي دوراً محدداً لحفظ العلاقة التكتيكية مع العلمانيين ، و بدا هذا بشكل أوضح في الموقف من الحوار و السعي بكل جدية و مسؤولية لإنجاحه دون تنازل أو تهاون في المطالب العادلة التي يتبناها و يستطيع خدمتها بشكل أفضل بالحوار لا البندقية و الفوضى ، و لكن بقي هناك بعض عضوية الحزب و المتعاطفين معه ممن اكتمل اندغامهم في منظومة اليسار العلماني ممن يمكن اعتبارهم ضحايا التكتيك من الذين ذهبوا بعيداً في دروب العلمنة و تمثلوا قيم اليسار و مثله و أفكاره لدرجة أنهم يدافعون بكل ضراوة عن رموز و أفكار هذا التيار و لا ينتظرون دفاعاً مقابلاً حتى عن بعض الرموز الذين يرضون عنهم من التيار الإسلامي و يتحملون الإتهامات أو يتفادونها بتقديم كل ما يثبت أنهم حلفاء موثوقين و أنهم يرضون الدنية في فكرهم الذي لا تكاد تجد له أثراً فيما تخطه أقلامهم أو يتخيرون منه ما لا يجرح الخصوم/ الحلفاء . و هؤلاء يراهنون – و معهم حق – على أن يكون المؤتمر الوطني حليفهم الموضوعي الذي يضيع فرصة التوافق عبر الحوار فيعود الجميع إلى حلفهم القديم الذي ألفته نفوسهم و عز عليهم التخلي عنه . و أداء المؤتمر الوطني – حتى الآن – يجعل رهانهم هو الأقرب للحدوث .
ابراهيم عثمان