كاتب مقرب من الجيش المصري: عزل مرسي جاء بعد نيته الإطاحة بالسيسي وإشراك الجيش بحرب سوريا

[JUSTIFY]قال مصطفى بكري الكاتب الصحفي المقرب من قيادات الجيش المصري، إن بيان وزير الدفاع (آنذاك) عبد الفتاح السيسي في 3 يوليو/ تموز من العام الماضي، بعزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، جاء بعدما شعر الجيش أن البلاد تسير في اتجاه حرب أهلية، وسعى مرسي إلى الإطاحة بالسيسي وإشراك الجيش في الحرب الدائرة في سوريا.

وأوضح بكري في مقابلة مع وكالة الأناضول، أن عزل مرسي جاء بعد محاولات كثيرة لإقناعه بقبول بمطالب المعارضة، ولتحقيق ذلك تدخلت أطراف داخلية وخارجية عديدة.

وبالتزامن مع هذه المقابلة تنشر وكالة الأناضول، مقابلة أخرى أجرتها مع أحمد فهمي آخر رئيس لمجلس الشورى المصري (الغرفة الثانية في البرلمان التي تم إلغاؤها في الدستور المعدل)، طرح من خلالها رؤيته للأحداث التي مرت بها مصر قبل عزل مرسي، والضغوط التي تعرض لها الأخير داخليا وخارجيا.

وإلى نص الحوار مع الكاتب الصحفي مصطفى بكري:

** البداية.. كانت مع خطاب من الفريق أول عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع وقتها، في 23 يونيو/ حزيران 2013، أمهل فيه القوى السياسية أسبوعا لحل الأزمة، كيف قرأتم هذا البيان؟

البداية لم تكن في 23 يونيو/ حزيران 2013، وإنما كانت قبل ذلك بشهور، عندما أحس الجيش أن الدولة المصرية على وشك السقوط والانهيار، وأن حربا أهلية قد تشتعل في 30 يونيو/ حزيران من نفس العام.

** إذًا ما الذي دفع القوات المسلحة لإصدار هذا البيان؟

هناك نقطتان فاصلتان أثرتا في المشهد السياسي في هذا الوقت، أولهما: الخطاب الذي ألقاه الرئيس محمد مرسي حينها في الصالة المغطاة لاستاد القاهرة (شرقي القاهرة) (في 15 يونيو/ حزيران 2013)، وكان تحت عنوان “مؤتمر نصرة سوريا”، والذي أعلن فيه مرسي أن مصر قررت قطع علاقتها مع سوريا، وأنها وجيشها مستعدة أن تقف بجانب الشعب السوري ضد بشار الأسد.

صدر بعد ذلك بيان من مصدر عسكري أفاد أن الجيش مهمته حماية الأمن القومي المصري، وليس الذهاب إلى خارج مصر، ويعتبر هذا البيان بمثابة الإنذار الأول وبداية التصعيد بين الجيش ورئيس الدولة.

النقطة الأخرى، والأخطر منها، هو اللقاء الذي عقده المجلس الأعلى للقوات المسلحة (قيادة الجيش) برئاسة السيسي، مع مرسي في قصر الاتحادية يوم 22 يونيو/ حزيران 2013، دون أن يتحدد بذلك موعد مسبق، وطلبوا استدعائه، ونزل إليهم، وعرضوا عليه تقريرا استراتيجيا عن الأوضاع في البلاد.

** ماذا تضمن هذا التقرير الاستراتيجي؟

على مدار ساعة ونصف الساعة، ظل اللواء محمود حجازي رئيس المخابرات الحربية حينها، يعرض تفاصيل التقرير الذي كانت تتلخص في أن الأمور تمضي بالبلاد إلى الهاوية، وأن جماعة الإخوان تصر على احتكار السلطة، كما تضمن تحذيرا من خطورة الأوضاع، وطالبوه بإقالة الحكومة (برئاسة هشام قنديل)، وإبعاد النائب العام حينها (طلعت عبد الله)، وإجراء مصالحة سياسية تنتهي بموافقته على انتخابات رئاسية مبكرة.

** وماذا كان رد مرسي عليهم؟

رد عليهم بكلمة واحدة: هنشوف (سننظر في الأمر)، ثم غيَّر الموضوع، وطالبهم أن يتولى الجيش المصري تدريب الجيش السوري الحر وبعض الفصائل الأخرى حتى إسقاط بشار الأسد.

** وماذا كان رد قادة الجيش عليه؟

نظروا إليه نظرة استعجاب ودهشة، وخرجوا من عنده إلى اجتماع في وزارة الدفاع، قرروا فيه تقديم الإنذار الذي تلاه السيسي في 23 يونيو/ حزيران 2013، وطالب السلطة والقوى السياسية بإيجاد حل للأزمة السياسية في البلاد، خلال أسبوع.

** ولكن جماعة الإخوان حينها رأت أن هذا الإنذار غير موجه لهم؟

إعلاميا فقط، ولكن واقعيا، طلب خيرت الشاطر نائب المرشد العام للإخوان، وسعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان)، لقاء السيسي، وفي الاجتماع جرت مشادة عنيفة جدا، حذر فيها الشاطر قادة الجيش من أن الأوضاع إذا ما انفلتت فإن هناك إسلاميين سيضطرون للمواجهة مع الجيش.

وبعد جلسة حوار استمرت قرابة 45 دقيقة، قال السيسي للشاطر إن من سيحاول الاقتراب من الجيش المصري أو الشعب في 30 يونيو/ حزيران، فسوف نسحقه سحقا، وأضاف السيسي للشاطر، أنتم من أسأتم إلى الدين، وأنتم من أحدثتم الانقسام بين الشعب.

** وهل أبلغ الشاطر الرسالة لمرسي؟

بالفعل أبلغه، وترتب عليه أن أصدر مرسي قرارا باعتقال قادة الجيش العسكريين ووزير الداخلية (محمد إبراهيم) وعدد من قيادات الشرطة، وإعلاميين ومعارضين من جبهة الإنقاذ وتمرد (جبهة شبابية دعت لإسقاط مرسي) وغيرهم.

إلا أن هذا القرار لم يتم تنفيذه، فقد أبلغ اللواء محمد زكي قائد الحرس الجمهوري، السيسي بتفاصيل القرار، مما دفع قائد الجيش إلى إصدار أوامر صريحة بانتشار الجيش في كل ربوع مصر صبيحة 26 يونيو/ حزيران.

ووقتها أدرك مرسي أن الأمر انفلت من بين يديه، فاضطر أن يستدعي السيسي وجلس معه لمدة ساعتين، وحاول أن يخدعه، بعدما أبلغه أنه قد استجاب لكل مطالب الجيش، إلا أنه في الخطاب الليلي بقاعة المؤتمرات، كان الأمر مختلفا، وترك انعكاسا سلبيا على الجميع.

** وماذا حدث في 30 يونيو/ حزيران؟

خرجت مظاهرات كبيرة في الشوارع بالملايين تهتف: “انزل يا سيسي.. مرسي مش (ليس) رئيسي”.

كما أن الإدارة الأمريكية وقتها حسمت أمرها، فأجرى وزير الخارجية جون كيري اتصالات بعمرو موسى ومحمد البرادعي القياديين بجبهة الإنقاذ (جبهة المعارضة الرئيسية لمرسي)، ثم أجرى اتصالا بمسؤولين مصريين (لم يحددهم)، وهو ما دفع آن باترسون السفيرة الأمريكية بالقاهرة إلى حمل رسالة إلى مرسي من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، التي أكدت على ضرورة تحقيق تنازلات متبادلة والنظر في كل مطالب المعارضة.

رد مرسي على الرسالة الأمريكية كان كرده على تحذيرات الجيش له قبل 8 أيام، بكلمة هنشوف (سننظر في الأمر)، وهو ما جعل الإدارة الأمريكية تدرك أن مرسي مصمم على موقفه وعناده، وأنه يأتمر بأوامر جماعة الإخوان.

وفي 1 يوليو/ تموز 2013، حدث لقاء بين مرسي و(رئيس الوزراء في عهد مرسي، هشام) قنديل والسيسي، وبعد الاجتماع جرى نقاش حاد بين السيسي ومرسي، حتى أن مرسي قال للسيسي إنهم (أي جماعة الإخوان) سيحكمون 500 عام، ولن يستطيع أحد إبعادهم (عن الحكم)، ومن سيحاول ذلك ستكون كارثة عليه لأنهم مدعومون من الغرب، ولديهم معتصمون في رابعة العدوية (شرقي القاهرة)، لن يسمحوا أن يتنازلوا عن رئيسهم (بدأ اعتصام الإخوان في رابعة في 28 يونيو/ حزيران).

** وماذا كان رد السيسي؟

الرد وقتها لم يكن من السيسي وحده، وإنما من القيادة العامة للقوات المسلحة التي أصدرت بيانا أمهلت فيه السلطة السياسية لمدة 48 ساعة للتوصل إلى حل، وأنهم سيكونون مرغمين على دعوة القوى السياسية للتوصل إلى خارطة للمستقبل.

** ولكن مرسي رفض هذه المهلة؟

بالفعل، وتحدث في خطاب في 2 يوليو/ تموز، تحدث فيه عن الشرعية أكثر من 64 مرة، وكان في مضمون هذا الخطاب أنه لن يتنازل أو يتراجع، وإنما قد يوافق على إصلاحات محدودة، وهو الأمر الذي دعا الجيش إلى التحرك في 3 يوليو/ تموز للاستجابة لمطالب الشعب.

** هل كانت المهلة هي آخر وسائل التفاوض مع مرسي؟

لا، فقد أعقبها استدعاء السيسي صبيحة 3 يوليو/ تموز لكل من أحمد فهمي رئيس مجلس الشورى (الذي جرى حله عقب عزل مرسي)، وهشام قنديل رئيس الحكومة آنذاك، ومحمد سليم العوا أحد مستشاري مرسي والمقرب من جماعة الإخوان، وطالبهم بإجراء اتصالات أخيرة مع مرسي وتحذيره من خطورة الموقف.

ولكن مرسي رفض كل هذه الجهود، فأدرك السيسي أن الأمر قد حُسم، وأجرى اتصالات مع بعض شباب تمرد وبعض قيادات الأحزاب كمحمد البرادعي رئيس حزب الدستور (ليبرالي)، وجلال مرة أمين عام حزب النور (السلفي)، كما حضر أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر والبابا تواضروس بابا الأقباط، للتوافق على خارطة الطريق التي كان قد أعلن عنها في بيانه قبل يومين.

وهنا يجب ألا ننسى أن السيسي وجه الدعوة إلى حزب الحرية والعدالة، إلا أنه رفض الدعوة.

** ولكن رواية الإخوان تقول إن مرسي وافق على إجراء استفتاء على بقائه؟

لم يحدث أن مرسي قبل بالاستفتاء على بقائه في الرئاسة، وخطابه قبل عزله بساعات كان واضحا فيه أنه يرفض بقوة ذلك.

** ولكن مرسي قال فعلا إنه يستجيب للاستفتاء ولكن عقب الانتخابات البرلمانية، حتى لا يحدث فراغ تشريعي؟

هذا لم يكن استجابة لمطالب الشعب الذي خرج للمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، وإنما كان مرسي يريد فرض أمر واقع، فضلا عن أنه في ذلك الوقت لم يكن تم تحديد موعد للانتخابات البرلمانية.

قبول مرسي كان تحايلا ومراوغة، ولم يكن صادقا في تنفيذ مطالب الشعب، ولم يكن أمام الجيش إلا أحد مطلبين إما السماح بحرب أهلية في البلاد بين الإخوان من طرف وبين الشعب الذي ظل محتشدا في الميادين من طرف آخر، أو عزل مرسي وحقن دماء المصريين.

** وهل كانت المعارضة جاهزة إذا قبل مرسي باستفتاء على بقائه وتغيير الحكومة؟

بالطبع، كانت جبهة الإنقاذ جاهزة ببدائل كثيرة، فقد كان هناك أسماء لامعة يمكنها أن تتولى المسؤولية منها كمال الجنزوري رئيس الوزراء الأسبق، وعمرو موسى ومحمد البرادعي القياديين بجبهة الإنقاذ، وغيرهم الكثير.

وكاثرين أشتون مفوضة العلاقات الخارجية بالاتحاد الاوروبي لعبت دورا كبيرا في السعي نحو تغيير الحكومة واختيار هذه الشخصيات.

** كيف استقبلت الولايات المتحدة الأمريكية قرار عزل مرسي؟

الولايات المتحدة الأمريكية منذ البداية كانت مترددة في موقفها، ما بين مؤيد للإرادة الشعبية وبين مؤيد لرئيس جاء بالصندوق والانتخابات، وأمام هذا التناقض والتردد انقسم الموقف في الداخل الأمريكي، فكان جهاز الأمن القومي (تابع للرئاسة، ويختص بقضايا الأمن القومي) والبيت الأبيض (المقر الرسمي للرئاسة) في اتجاه رفض عزل مرسي، بينما كانت الخارجية الأمريكية والبنتاجون (وزارة الدفاع) في اتجاه عزله.

ولكن الحقيقة أن أمريكا ظلت تدعم الإخوان حتى بعد عزل مرسي، من أجل إيجاد حالة من العنف تؤدي إلى فوضى عارمة، تفضي إلى سقوط الحكم الجديد والجيش المصري.

ولا ننسى أن السفيرة الأمريكية باترسون التقت بخيرت الشاطر بصفته المتحكم الأول في جماعة الإخوان والمسيطر على مؤسسة الرئاسة، والآمر الناهي لمرسي داخل القصر، في 20 يونيو/ حزيران، وخرجت من عنده بتصريحات عنيفة ضد الجيش المصري، وهو ما يدل على أن أمريكا كانت تدعم الإخوان.

** وماذا عن موقف الاتحاد الأوروبي؟

كاثرين أشتون، كانت على علم بكل الوقائع، وكانت طرفا أصيلا وفاعلا منذ مارس/ آذار عام 2013 في السعي نحو تحقيق مصالحة، وسعت لتحقيق حوارات بين مرسي وجبهة الإنقاذ، واقترحت عليه اقتراحات عديدة من بينها تغيير الحكومة والنائب العام، ولكن مرسي رفض كل اقتراحاتها، ولذلك، كان الموقف الأوروبي أقل حدة من الموقف الأمريكي.

** بعد عام من عزل مرسي، هل تحققت إرادة 30 يونيو/ حزيران؟

نجحت خارطة المستقبل، والمصريون استعادوا الدولة وحافظوا على مؤسساتها المختلفة، وأصبحوا بلا انقسام، والوطن قد تم استرداده، ومصر أصبحت صاحبة إرادة، والبلاد تمضي إلى الأمام ولن تعود إلى الخلف.
[/JUSTIFY]

[FONT=Tahoma] الأناضول
م.ت
[/FONT]
Exit mobile version