الوزير حسين اختار من بين كل أولئك الأطياف من عرفوا بالمجاهدين، وهم ثلة من الأولين الذين دافعوا عن مشروع الإنقاذ بخيره وشره، حسناته وسوءاته وانتهازييه وأخياره الشهداء.
ليس هنالك خلاف في أن لفظ “المجاهد” يمثل الكرت الرابح في عمليات العبور السهل نحو الترقي في سلم ودرج حكم الإنقاذ، هذا في حكم الماضي التليد، ففي إفطار حي المطار ظهروا كأنما هنالك حق مسلوب قد ضاع من بين أيديهم، ورغم ما في إفطارهم من دلالات عميقة وكبيرة، إلا أنه ظل يدور حول حجري رحى وأطلال الخنادق.
ربما أقصى ما يستطيع إنتاجه المجاهدون الآن انفلاق صف المجاهدين الثاني، فأبناء ومواليد العام “89” قوي عودهم وعادوا مجاهدين أشداء بإمكانهم أن يدفعوا شرور “فاروق أبوعيسى” الذي يقترب من الثمانين عاما الآن وهو ينادي بإسقاط النظام.
لكن في الحقيقة، فإن ذات المجاهدين مازالت تطاردهم ذكريات الشهداء الذين كانوا معهم في الخنادق يدافعون عن شعار الإسلام لا الاستسلام، والوحدة لا الانفصال، وقد بدوا أمس في إفطارهم كأنما يبحثون عن فردوس الجهاد المفقود ومحصلة انتصارات الميل أربعين ومتحركات الأحراش وليالٍ طويلة وقاسية في البرد والأمطار طالما حلموا بقطف ثمارها.
يتحرك (حاج علي) الشهير بـ(الضباح) وهو واحد من مجاهدي متحركات تسعينيات القرن الماضي، وسط جوقة من رفاقه وهو ينادي بمفردات قاسية تزجر تجربة الحكم وحزبها الحاكم وتحاكمهم على واقع صنعته دولة الإنقاذ بنفسها، (الضباح) الذي يبدو أنه تعرض لإصابة بالغة في إحدى مشاركاته في مناطق الحرب لا يمل بين كل حديث وآخر أن يردد “الله أكبر” ويردفها بقوله: “القديمة”، فابن الدامر يبدي حسرة على ضياع حلم ما أو ربما يرى في شعارات الإسلاميين الحالية مجرد أحاديث ليست لها قوة الجذب التي كانت تصنعها مفردات جيّشت الدولة بموجبها آلاف الشباب واستقطبتهم لبرنامجها.
في أعماق المجاهدين ما تزال هنالك كلمات تأبى إلا أن تخرج من فوهات المدافع لكن طريقها هذه المرة سيذهب أدراج الرياح، فخارطة الفعل تغيرت ونداء الجهاد لم يعد ينشد ذلك النفر بسرعتهم القصوى يسرعون الخطى إلى حيث الموت في سبيل مشروع حلم للشهداء، صحيح أن أناشيد “حورية” قد أججت في مجاهدي الإنقاذ القدماء نيران الذكريات والبنادق والخنادق وحولوا حي المطار الهادئ إلى ثكنة عسكرية وجهادية لم تفتقد غير طلقات في الجو حتى تكتمل صورة “في ساحات الفداء”، لكن الجميع انفض دون أن يحصل على إجابة لتلك الثورة المفاجئة التي تصنعها بعض أناشيد وأصوات منشدين ويقطعها موعد لعمل أو رفقة لمواصلات شحيحة في شوارع الخرطوم.
ومهما يكن من قول، فإن إفطار المجاهدين سيبعث برسائله إلى حيث يريدون، فهم مايزالون في ذات قيمة العهد القديمة، يخدمهم الوزير عبد الرحيم بأقدام حافية، ويتبرج بينهم الكاتب إسحق أحمد فضل الله معلنا أنه مجاهد لم تشخ في دواخله سنة الجهاد ولم تصدأ بندقيته التي تبيت تحت مخدته في أم ضوا بان، يقول إسحق إن الشارع سيتقاسم معهم الهموم يوم أن تأبى الدولة في تحقيق الطهارة والنظافة والنقاء، ويرمي بذات تحذيراته التي يصكها في عموده اليومي “آخر الليل” أن المعارضة تتربص بهم بعد “شراب المويات” في خطتها لإسقاط النظام وهو موعد طالما انتظره الناس كثيرا، يذهب بعيدا أيضا إلى موقع السفارات بأنها ما تزال عند عهدها تقف ضد الإسلاميين وتمنحهم ابتسامة خلفها الخناجر..
ترى عماذا يبحث المجاهدون الآن؟ أو ترى هل يجدون ما يبحثون عنه ولو في مائدة رمضان؟.
صحيفة اليوم التالي
خ.ي