أذكر أن فريقاً من فرق كرة القدم التونسية كان قد حلَّ ضيفاً على فريق الهلال للتبارى معه في إحدى المنافسات الأفريقية، وكان في صفوف الفريق التونسي لاعب قصير مكير، هذا اللاعب وبما يملك من موهبة ومهارات ومكر كروي استطاع فريقه أن يُنزل بالهلال هزيمة نكراء عن طريقه، فقد كان ذلك اللاعب من أهم أوراق وعوامل انتصار الفريق التونسي وتمكن لوحده من تسجيل أكثر من هدف، هذا غير الخلخلة التي أحدثها في دفاعات الهلال ومكنت آخرين من رفاقه التوانسة من الوصول بسهولة إلى مرمى الهلال والنيل منه، وكان هذا اللاعب يحمل في اسمه الثاني اسماً ليس فقط شاذاً وغريباً على المسامع السودانية بل كان معيباً عندهم لارتباطه في اللهجة العامية السودانية بفعلٍ منكر بينما هو غير ذلك عند التوانسة وإنما اسم عادي ومألوفاً لديهم وإلا لما تسموا به، مثله مثل بعض العبارات في لهجات بعض الشعوب العربية التي تعني عندهم شيئا وتعني نقيضه عند السودانيين، من ذلك أن سودانياً إجتمع مع أحد الشوام في عمل مشترك وتولى كلٌ منهم جانب منه، وكان عليهما اكماله في زمن محدد، وحدث أن أكمل الشامي ما يليه قبل السوداني وقبل وقتٍ قليل من الموعد المحدد، ذهب إلى حيث يجلس السوداني فوجده ما يزال منكباً على عمله، فصاح فيه باللهجة الشامية «بلّش بلّش» وغادر، ولم تمر سوى برهة زمن إذا بالسوداني يلحق به وقد طوى أوراقه تحت إبطه، إندهش الشامي وسأله مستغرباً وهل انهيت عملك بهذه السرعة المتناهية، قال السوداني لا لأنك قلت لي «بلّش» وقد «بلّشت»، كان فهم السوداني لها أترك أو دع بينما كان مقصد الشامي «خلّص» أو أسرع في اكمال العمل، وعودة إلى لاعبنا التونسي المكير صاحب الاسم المنكر الذي تسبب في هزيمة الهلال التي أسعدت كثيراً من المريخاب ومن بينهم أحد الكتاب الرياضيين، هذا الكاتب المريخي ولعله بابكر سلك أو ربما حسن بسبوسة لا أذكر، كتب صبيحة اليوم التالي للمباراة عنواناً ساخراً حمل اسم اللاعب وما فعله بالهلال فجاء بعد حذفنا للاسم كالآتي (فلان الفلاني فِعله زين إلا اسمه شين) وحكاية الخليفة عبد الله مع المخنثين وعبارته التي أطلقها فيهم وجرت بذكرها الركبان «كلامكو حلو إلا فعلكو شين» معروفة ولا داعي لذكرها….
المهم بعد هذه «اللفة» التمهيدية الطويلة، عنَّ لنا أن نذكر بهذه المناسبة وبعد رصد ومتابعة لكثير من الأحاديث السياسية الأخيرة أنها ينطبق عليها مغزى عبارة «كلامكو زين إلا فعلكو شين» في مفارقة واضحة بين القول والفعل، لا يكاد ينجو منها حزب حتى أوشكت أن تكون سمة غالبة على مجمل الأداء السياسي، فما من سياسي من هنا أو هناك وخاصة سياسيي الحزب القائد والرائد يدلي بأي حديث إلا وتجده نظيفاً حُلواً ومنسقاً كأنه غسله وكواه قبل أن يتحدث به كما قال المرحوم عمر الحاج موسى في أهالي كسلا، ولكن عندما تتمعن فيما يأتيه حزب هذا السياسي من أفعال تستعجب مصداقاً للمثل «أسمع كلامك أصدقك أشوف عمايلك أستعجب»، ليس ذلك فحسب وإنما يزيد طين الممارسة السياسية بلة ظواهر أخرى من شاكلته بل وأسوأ، ولعل هذا واحداً من الأسباب التي أدت إلى عزوف الكثرة الغالبة من الشباب عن الانضواء تحت لافتة أيٍ من هذه الأحزاب، ما جعل هذه الأحزاب في وادٍ والشباب في وادٍ آخر، ولعله أيضاً يفسر أسباب تنامي الأصوات المطالبة بالاصلاح والتغيير والعودة إلى منصة التأسيس لاستيلاد نظام سياسي جديد…
[/JUSTIFY]
بشفافية – صحيفة الصحافة
حيدر المكاشفي