:: شامة صالح، امرأة تقطن بطرف العاصمة..في عقدها السابع ..أنجبت العاصم، دفع الله، المبارك، محمد وعبد المجيد، من زوجها عبد الرحمن الذي قدم للسودان اثنين واربعين عاما من عمره جنديا في القوات المسلحة، حتى تقاعد للمعاش..كما والدهم، أحب الأبناء الجيش والتحقوا به جنودا..بكت الحاجة شامة صالح في ربيع عام 1998 ابنها ( المبارك ) الذي انتقل من رتبة عريف في الجيش الى رحمة مولاه باذن الله، وهو يؤدي واجبه بالجنوب ملتزما بقسم الجندية.. بكته أمه شامة ، ثم احتسبته بقلب عامر بالإيمان بقضاء الله وقدره ..!!
:: وقبل ان يجف الدمع ويفارق الحزن الفؤاد ، تلقت شامة خبر صعود روح ابنها الثاني « العاصم » الى العلياء أيضا، حيث رحمة الله التي احتضت – بإذنه تعالى – روح ( المبارك )، وهو يؤدي واجبه جنديا بجنوب كردفان ..ولم يكن الفاصل الزمني قد تجاوز الثلاثة أشهر بين رحيل الحبيبين إلي نفس هذه الأم الصابرة.. لم تبارح شامة محطة الحزن بوداع المبارك والعاصم ..بل زارها الحزن أيضا في شتاء العام 2001 ، حيث اختار قدر المولى الذي لامفر منه ابنها الثالث ( دفع الله ) إلى جوار الشقيقين (العاصم والمبارك)، وهو يؤدي واجبه بمسرح العمليات ايضاَ..!!
:: يا لهذه الدنيا وامتحانها، ويا لصبر شامة..ثم هطل مطر الحزن للمرة الرابعة عندما مضى ابنها الرابع ( محمد ) في نوفمبر العام 2006 ، الى حيث الأشقاء ( المبارك، العاصم، دفع الله)، شقيقا رابعا من خنادق القوات المسلحة بدارفور..هكذا الحال ..أربعة اشقاء توسدوا ثرى الوطن بالجنوب وجنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور..أكبرهم كان فى الثلاثين عمرا، وأصغرهم مضى حاملا اثنين وعشرين ربيعا..(ده حال الدنيا)، عبارة لاتفارق لسان الحاجة شامة وابنها الوحيد ( عبد المجيد )، طالب الهندسة بجامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، يقابلان بها كل زائر، ويقهران بها متاريس الحزن، ولم يفقدا صبرهما، ولم يقنطا من رحمة الله..!!
:: شامة وعبد المجيد، يقطنان في بيت إيجار متهالك بالكلاكلة القلعة..ليت والي الخرطوم تفقدهما وخصهما ببيت في السكن الشعبي ، ليقيهما رهق الإيجار، وتكريما للعاصم والمبارك ودفع الله ومحمد..هكذا كتبت الوقائع والمناشدة قبل ثلاث سنوات بالصحافة، ودعمها الأخ محمد عبد القادر بمناشدة أخرى بالرأي العام، ثم الأخت غادة عبد العزيز خالد بمناشدة ثالثة بالصحافة أيضاً، فزارهما رئيس الجمهورية في رمضان ووقف على حالهما، ثم وجه السلطات بشراء منزل لشامة وابنها..فاشترى لهما ديوان الزكاة منزلاً بحي القادسية بالكلاكلات، وانتقلا من البيت الايجار الى منزلهما، وفرحنا بذلك وشكرنا ديوان الزكاة رغم أن الفعل واجب وليس بمكرمة..!!
:: تفقدت شامة وابنها عبد المجيد – بعد طول غياب – ظهر البارحة، واذا بها تبحث عن بيت ايجار يأويهما بعد أن صار منزلهما أطلالاً لاتصلح للسكن..نعم، غير المطبخ الذي شيدته هي بجهدها بالطوب الاخضر والزنك، كل غرف المنزل تحولت الى أطلال مهجورة بعد أن تشققت جدرانها ونزلت عروشها وهددت حياتهما بالانهيار..في المطبخ تعد الطعام لابنها، وفي المطبخ تنام مع ابنها، وفي المطبخ تستقبل جاراتها وضيوفها..التوجيه الرئاسي كان واضحاً، وكان على ديوان الزكاة الالتزام بالتوجيه بحيث يشتري لهما (منزلاً)، وليس قطعة أرض عليها غرف طين سقفها كراتين وزبالة و(منافذ تُسد بالشوالات)، ولذلك تآكلت خلال ثلاث سنوات من يوم رحيلهما اليها..ماقدمتها هذه الأم – لهذا الوطن – أغلى من كل أبراج ديوان الزكاة وكل منازل السلاطين، ومن حقها عليكم أن تجد المأوى الذي يقيها من الشمس والمطر ومخاطر الهدم والانهيار..واياك اعني أيضاً يا منظمة الشهيد ..!!
[/JUSTIFY]
الطاهر ساتي
إليكم – صحيفة السوداني
[email]tahersati@hotmail.com[/email]