خيراً فعلت الحكومة وهي ترجِئ قرار رفع الدعم عن المحروقات إلى أجل غير مسمى لمزيد من التشاور.
مثل هذه العبارات في الغالب يُشتمُّ منها رائحة التراجع، أو ربما العزم على إجراء مراجعة عميقة للخطوة من حيث المعالجات والتوقعات.
ولا أظن أن الأجهزة المختصة بجمع المعلومات وتحليلها، لم تنقل للقيادة تفاعلات الرأي العام تجاه خطوة رفع الدعم على مستوى الآثار والمترتبات.
قبل التقارير الرسمية ستكون قيادة الدولة والحزب، من خلال حضورها الاجتماعي الكثيف في الأفراح والأتراح ومع الأهل والأصدقاء والمعارف، قد شعرت بثقل القرارات على المواطنين، ومدى استيائهم وتضجرهم منها، وهي في طور الإرهاصات قبل أن تسقط على رؤوسهم.
أوضح مؤشر على وجود مستجد في قضية رفع الدعم، أن رئيس الجمهورية المشير عمر البشير، لم يشر إليها من قريب أو بعيد أثناء خطابه أمس، في المؤتمر العام للاتحاد الوطني للشباب السوداني.
الجميع كانوا ينتظرون حديث الرئيس عن الموضوع، والتقاط إشارات توضح إن كانت الحكومة عازمة على المضيِّ في إصدار القرارات الاقتصادية، طبقاً للتسريبات التي خرجت للعلن، أم أنها ستتريث في ذلك، بحثاً عن بدائل أقل تكلفة وتحسباً لردود أفعال يصعب التنبؤ بها.
التسريبات الصحفية كانت تؤكد اتجاه الحكومة لرفع الدعم عن المحروقات على نحو مفزع ومرعب.
زيادة جالون البنزين من (12,5) إلى (20) جنيهاً، بنسبة زيادة تبلغ نحو (67%)، وجالون الجازولين من (8) إلى (9) جنيهات في المرحلة الأولى؛ مع زيادة شهرية بمعدل جنيه، حتى يصل إلى (11) جنيهاً بعد ثلاثة أشهر!
وأوضحت التسريبات – غير المؤكدة – أن البرنامج الاقتصادي المرتقب إعلانه، ينصُّ على رفع سعر الدولار الجمركي من (4,4) إلى (5,7) جنيهات، بنسبة زيادة (30%)، بالإضافة إلى زيادة ضريبة القيمة المضافة من (17%) إلى (20%)، بنسبة زيادة تصل إلى (18%)، ثم زيادة ضريبة الأرباح!
بكل تأكيد هذه الإجراءات ستؤدي إلى زيادات عالية في أسعار السلع بالأسواق تتجاوز نسبة (100%)!
لا أعتقد أن حكومة راشدة يمكن أن تتبنى هذه الأرقام والنسب المنشورة في الصحف، أو تجرؤ على تسويقها داخل بيتها، دعك من أن تقنع بها الخصوم!
الخصوم السياسيون الذين تسعى الحكومة لإقناعهم أوكسب رضاهم، أو ضمان حيادهم، لن تجد منهم سوى الكيد والعداء، فهم لن يجدوها في مكان أفضل من الذي وضعت فيه نفسها، حتى يسهل انتياشها والنيل منها.
وعلى حزب المؤتمر الوطني أن يتوقع ما هو أسوأ من ذلك، وهو أن يتخاذل عنه الأعضاء، ويتنكر له الحلفاء، ويتمرد عليه المحايدون.
وفي أسوأ الفروض حتى إذا كان خيار رفع الدعم هو الخيار الوحيد، ودونه الارتطام بالحائط، فلا أجد أوفق وأرشد ممّا جاء في مقال الدكتور عادل عبد العزيز، المدير السابق للإدارة الاقتصادية بجهاز الأمن والمخابرات، والمنشور اليوم في الصفحات الداخلية بهذه الصحيفة، والذي حمل عنوان (شروط الرضا والقبول برفع الدعم)، ولا (المكتولة ما بتسمع الصايحة)؟!
[/JUSTIFY]
العين الثالثة – ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني