كانت هنالك أخطاء في الأداء الحزبي بعد ثورة أبريل
الحركة الإسلامية لم تدخل عالم السياسة إلا في عام 1965م
بابكر كرار وميرغني النصري رفضا تسمية الحركة الإسلامية بالأخوان المسلمين
الديمقراطية تنمو كما ينمو الطفل ولكننا نقتلها قبل أن تحبو
خلافاً للواقع السياسي الحالي عُرِف ضيفنا الأستاذ علي محمود حسنين نائب رئيس الحزب الاتحادي «مرجعيات» بالانفعال والتأثير فيه وبه يجيء هذا الحوار موغلاً في أشتات ذكريات ذات ممشى عريض تمتد فيه مساحات الجغرافيا من أرقو بدنقلا في أقاصي شمال السودان وحتى مدينة شيكاغو الأمريكية إذ أنها مساحة تأخذ حتى بالطيران ساعات طوال فكيف بمقاييس «الكيلو مترات» دعك من المتر أو كل أدوات القياس المعروفة أما بحسابات الزمن فإن عقارب الساعة التي دارت فيها هذه الأحداث تحتاج للعودة للوراء عقوداً من الزمان فمعاً نتصفح هذه المسيرة الطويلة والتجربة العريضة مع الأستاذ علي محمود..
حاوره-زين العابدين العجب – تصوير- سفيان البشرى
* أستاذ علي لقد قلت في الحلقة الأولى أنك لم ترتبط بالأخوان المسلمين كتنظيم سياسي وإنما كنت مرتبطاً بهم كمدرسة تربوية ماهي حقيقة نسبتك للأخوان المسلمين؟
في ذلك الوقت ونحن في المرحلة الثانوية وبعد أن إستمرينا في الحركة كمدرسة تربوية لفترة من الزمن جاء آخرون أو مجموعة من الإسلاميين أو أناس في تنظيمات مشابهة لنا وكانوا يريدون أن ينضموا للتنظيم الإسلامي وحدث خلاف وهنالك من إقترح أن يكون الاسم (الأخوان المسلمين) بإعتبار أن معظم الكتب التي كنا نقرأها كانت كتب الأخوان المسلمين المصريين وإعترض الكثيرون على ذلك.
* من هو أشهر المعترضين على تسمية الأخوان المسلمين؟
من الذين إعترضوا على هذه التسمية بابكر كرار وميرغني النصري اللذين كان رأيهما أن تسمي بالجماعة الإسلامية وإعترضت أنا على هذا الاسم بإعتبار أنه موجود في باكستان, وبإعتبار أننا لا نريد أن نكون جزءاً من تنظيم في الخارج لنتحمل من وزره وأخطائه ونحن لسنا طرفاً في قيادته ولا في تحديد مساره ثم اقترحت أن تسمي حركة التحرر الإسلامي وحدث خلاف حول هذا الأمر, وخرج من التنظيم الأستاذ بابكر والأستاذ ميرغني النصري والأستاذ عبد الله زكريا وغيره وإنشأوا تنظيم حركة التحرر الإسلامي الذي حُول اسمه فيما بعد إلى الحزب الإشتراكي الإسلامي, بعد أن أصبحت أحزاباً في فترة متأخرة ولكن الشئ الغالب الذي إستقر عليه الناس أن يسموا انفسهم إتجاهاً إسلامياً وكانت العضوية غير مقصورة على أناس بعينهم حيث كان الإتجاه الإسلامي يضم عدداً من أعضاء التنظيمات والأحزاب وعلى سبيل المثال كان هنالك الأستاذ كمال الدين عباس حيث كان حزب أمة (انصاري) وغيره حيث كانت العضوية تضم عدداً من الناس الذين ينتمون إلى عدد من الأحزاب.
* هل هذا يعني أنك كنت تمثل حزب الأشقاء داخل الإتجاه الإسلامي؟
أصلاً نحن لم نناقش هذا والتنظيم لم يكن تنظيماً سياسياً وإنما بدأ إتجاهاً فكرياً إسلامياً والحركة الإسلامية لم تدخل عالم السياسة ولم تكن جزءاً منها إلا في عام 1965م.
* هل كانت لكم أي إتصالات بقيادات الحركة الإسلامية خارج المدرسة؟
كل الحركة الإسلامية كانت داخل المدرسة وخارجها لم يكن لها أي مسمى ولم تكن حزباً سياسياً أصلاً ولا حتى في الجامعات, وإنما هنالك تنظيم إسلامي يدافع عن الإسلام ويحاول أن يغرس مفاهيم إسلامية في كل الكيانات الأخرى.. يعني الحركة الإسلامية لم تكن لها خصومة أو منافسة مع الأحزاب الأخرى بدليل أن عدداً كبيراً من أعضائها كانوا في حزب الأمة وكان عدد من أعضائها في الحركة الإتحادية وبعضهم كانوا منضوين تحت لواء الطرق الصوفية وبعضهم لم تكن لديه إتجاهات سياسية من أساسه, ولم تكن الحركة حزباً سياسياً حتى عام 1965م وقد خرجت من تنظيم الإتجاه الإسلامي في نهاية الخمسينيات ولكن الثابت في الحركة الإسلامية أن الدكتور الترابي أقام تنظيم جبهة الميثاق الإسلامي عقب ثورة اكتوبر.
* إذن ماهي علاقة بابكر النور بالأخوان المسلمين وماهو موقفه منهم؟
بابكر النور لم يعترف في يوم من الأيام أنه كان من الأخوان المسلمين وهو أول رجل كان يدعو لعدم تسمية التنظيم بالأخوان المسلمين وأول من إقترح اسم الجماعة الإسلامية ثم إقترح حركة التحرر الإسلامي إلى أن إنتهى الأمر إلى تسميته بالحزب الإشتراكي الإسلامي عندما أصبح حزباً سياسياً, ولذلك بابكر كرار لم يكن أصلاً جزءاً من تنظيم الأخوان المسلمين التنظيم المعروف في مصر والذي يتبع له تنظيم الأخوان المسلمين.
* ماذا عن علاقة على طالب بالأخوان المسلمين والحديث عن تأسيسه للجماعة؟
عندما جاءت بعض قيادات الأخوان المسلمين من مصر إتصلوا بعلي طالب الله وكونوا تنظيم الأخوان المسلمين خارج المدارس, ولم تكن لهم أية علاقة بتنظيم الطلاب على الإطلاق, وفي نفس الوقت لم تكن هنالك خلافات لأن التوجه كان توجهاً إسلامياً فكرياً ولم يكن سياسياً بدليل أنه في عام 1957م عندما جاءت الجبهة القومية للدستور حدث نقاش حول الجبهة وهل هي تنظيم سياسي يمارس نشاطه من أجل إقامة الدستور الإسلامي أم لا؟ وصدر القرار بالأغلبية الساحقة أن الجبهة القومية للدستور ليست حزباً سياسياً وإنما تنظيم إسلامي فكري يدعو للفكرة الإسلامية عبر الأحزاب القائمة, وكان السكرتير العام للجبهة القومية للدستور هو الأستاذ عمر بخيت العوض الذي أصبح فيما بعد قاضياً.
* ماهو موقفكم من الجبهة القومية للدستور؟
في ذلك الوقت كنت طالباً في الجامعة والقرار الذي صدر في عام 1957م قال: إن الجبهة القومية للدستور ليست حزباً سياسياً ولذلك كنا نبارك الجبهة كخطوة تدعو للفكر الإسلامي في داخل التنظيمات القائمة وبما أننا جزء من الأحزاب فقد إعتمدنا هذا الموقف داخل تنظيمنا وكان الهدف هو تجميع الإسلاميين من الشعب السوداني والطرق الصوفية وغيرها حتى يضغط الجميع على الأحزاب السياسية حتى تتبنى فكرة الدستور الذي يرتكز على الإسلام, وبعد تكوين لجنة في الفترة 57-1958م برئاسة أحمد خير المحامي نشأت جبهة ضغط إسلامية على أساس أن يأخذ الدستور ملامح إسلامية.
* أستاذ علي ونحن على مشارف ذكرى أبريل ألا تتفق معي في أن الأحزاب ساهمت مساهمة فاعلة في ضياع الديمقراطية ؟
قطعاص كانت هناك أخطاء في الأداء الحزبي ولا أقول أخطاء ديمقراطية لأن الديمقراطية هي قيمة سياسية ولا تخطئ أبداً, يجب أن نقول الصدق ولكن هناك ممارسات خاطئة لأن الديمقراطية لابد أن ترشد بالخطأ والصواب, حيث لابد أن تكون هناك أخطاء يرتكبها السياسيون ثم التصحيح في إنتخابات لاحقة يقول الشعب فيها رأيه، والديمقراطية تنمو كما ينمو الطفل ولا يمكن لها أن يشتد عودها إلا بعد أن تمر بمراحل عديدة، ولكننا نقتل الديمقراطية قبل أن تحبو, نقتلها وهي طفل رضيع لم يقوَ على الوقوف على رجليه.. وفي بريطانيا كانت هناك أخطاء في العمل الحزبي والديمقراطي ولكن الشعب البريطاني صبر عليها حتى قوي عودها وتعمقت جذورها إلى داخل الأرض وأصبح من المستحيل أن تقتلع هذه الشجرة، أما في السودان فحفنة من الضباط يأتون ليلاً ويغلقون الكباري ويقفون عليها وهي لا تستطيع أن تدافع عن نفسها لأنها مازالت طفلاً في المهد، ورغم ما أقوله الآن لا أتوقع أن يكون النظام الديمقراطي خالياً من الأخطاء، لابد أن تقع الأخطاء وأن لم تقع فلن يكون هذا نظاماً ديمقراطياً, ولكن علينا أن نعلم أنفسنا الصبر على الأخطاء وأن نعلم أنفسنا أن أخطاء الحكومة يحاسبها عليها من أتى بها عبر صناديق الإقتراع ولابد أن تكون هناك دورة ودورة وبعدها يسقط الغث وتبقى الأشجار السامقة وتذوب الحشائش تحت أقدام الشعوب.
صحيح هناك أخطاء كثيرة في 1985م وفي عام 1989م ولكنها كانت من بقايا آثار مايو التي أندست بين الأحزاب ولم تجد المحاسبة الكاملة من قبل النظام الديمقراطي القائم آنذاك, ومن بين هذه العناصر الجبهة القومية الإسلامية التي كانت في أحضان مايو في أيامها الأخيرة, ولذلك الأخطاء في ظل نظام ديمقراطي وليد واردة ولكن بالممارسة والتجربة تعالج وتصحح كل العيوب.
صحيفة اخر لحظة