لماذا أصبحنا جميعا على «الهبشة» وكل واحد منا سريع الانفعال والاشتعال؟.. من جانبي أميل الى كظم الغيظ، والسيطرة على أعصابي أمام الآخرين، ولكنني أدفع ثمن ذلك غاليا لأنني لا انجح كثيرا في السيطرة على الغليان الداخلي.. والمصيبة هي ان الحياة والناس باتوا يتفننون في ابتكار أشياء وسلوكيات تجعلك تكلم نفسك معظم ساعات اليقظة، والأدهى من ذلك ان فورات الغضب صارت وبائية ولم تعد تسمع عبارات مثل «الله يسامحك»، فإذا وطئت رجل شخص سهوا واعتذرت له ينفجر في وجهك: أعمى انت وللا خبل؟ وهذا كأن يسب الرجل أبا الرجل، فيسب أباه وأمه.. فأنا الغلطان لأنني دست رجلك، فلماذا لا تكتفي بزجري، وتشمل بإساءتك ذوي الإعاقات البصرية والنفسية؟ وهناك الفواتير التي تأتيك مطالبة بسداد مبالغ سبق لك سدادها، وتذهب الى مكاتب الشركة او الهيئة لتقنع موظفين يعانون سلفا من التوتر والإرهاق بأنك مظلوم، فيتعامل معك وكأنك أتيت لتقترض منه مالا، أو كأنك خطفت خطيبته، وتشرح له كيف ان الفاتورة خطأ فيقول لك: هذه الأفلام شفنا منها الكثير.. وتدفع الفاتورة، وتعود الى سيارتك لتكتشف انها تحمل لوحة ملونة جديدة على نافذتها، وتقول: ربما استيقظ ضمير المدير وقرر ترقيتي وأراد مفاجأتي بالقرار فألصق نسخة منه على نافذة السيارة، ثم تفاجأ بأن شرطة المرور هي التي قررت خصم 300 ريال من راتبك، بزعم انك أوقفت سيارتك في منطقة محظورة، وأعود الى الأشياء التي ترفع الضغط، ففي الطريق تكتشف ان جميع سائقي السيارات يستهدفونك ويتحرشون بسيارتك رغم انها محتشمة ومن عائلة محافظة، وتقف عند إشارة المرور فيقف الى جوارك شاب في سيارة جيب بها مكبرات صوت تردد أغنيات تم تسجيلها في ورشة حدادة بصوت قوته تسع درجات على مقياس ريختر، وتصل الى مكتبك وتجلس الى طاولتك لفتح البريد الالكتروني عسى ان يكون احدهم قد بعث اليك برسالة طريفة تريح أعصابك، حتى لو كانت واحدة من الافتراءات عن كسل السودانيين، فتكتشف ان ثلثي الرسائل جاءتك من أناس لا تعرفهم يدعونك الى زيارة مواقعهم على الانترنت او شراء سلعة لست بحاجة إليها، أو إعطائهم رقم حسابك ليضعوا فيه عدة ملايين، وتطلب كوب شاي فيرنّ التلفون… وعلى شاشته تجد رقم رئيس المباشر، وتعرف انه سيسمم بدنك بكلام سخيف.. فتتجاهل المكالمة وتقرر ترك المكتب لأن الدوام سينتهي على كل حال قبل ان تصل الى حيث سيارتك التي تركتها على بعد مسافة يجوز فيها قصر الصلاة!! وشخصيا فقد عودت نفسي على عدم الانفعال بحماقات سائقي السيارات، لكنني لا أطيق راكبي الدراجات الهوائية الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون، وذات مرة كنت أمشي على الرصيف واتجه أحدهم نحوي بدراجته فتجمدت، وما ان اقترب مني حتى ركلت مقدمة دراجته بقدمي فحرفتها عن مسارها كي لا تصدمني، وسقط الشاب أرضا، ولحسن الحظ كان معي مسدس غير مرخص، فأطلقت عليه عدة أعيرة نارية!! من حقي ان أحلم!!
وتتوجه إلى زيارة قريب أو صديق ولكن: أي طابق وأي شقة؟ الفيلا هاي أم التي تجاورها.. وتفتح التلفزيون وتجد نفس المسؤول الكذاب يردد نفس الوعود التي سبق له ان تحدث عنها قبل 15 سنة! وتقرر ان تتمدد في السرير فيأيتك صوت زوجتك: طالعين بعد شوية نعزي سكينة لأن جدتها ماتت! فتصيح: جدتها كانت عايشة للحين؟ سكينة نفسها عمرها الافتراضي انتهى!! ثم تستدرك وتستغفر الله، وعندها يرن جرس الباب فتهرول لتفتحه لتجد ولد الجيران: عمو كورتنا وقعت في بيتكم، ممكن… فتعود ريمه الى قديمها: كان يوم أسود اللي صرنا فيه جيرانكم.
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]