لا أنكر أن معرفتي باليابان كانت ضحلة للغاية لا تتجاوز ذكر اسمها خلال الحرب العالمية الثانية ومدينتي هيروشيما وناجازاكي اللتين اشتهرتا عالميا لانهما كانتا أول المدن في العالم التي تلقى عليها قنابل ذرية والتي قتلت ما يصل إلى 140 ألف شخص في هيروشيما ، و 80 ألف في ناجازاكي ، هذه كانت حدود معرفتي بها إلى أن قيّض الله لنا الإعلامي السعودي المميز أحمد مازن الشقيري ليعرض في احدى القنوات العربية برنامجاً نوعي فريد بإسم خواطر يجذبك إليه بجميع حواسك ويصطحبك لتعيش بين مجتمع فريد ومتفرد لترى بعينيك وتسمع بأذنيك في قالب دعوي شيّق تقطف ضآلتك من الحكمة والموعظة و النموذج الراقي والوجه الجميل لجنس البشر ، وفي حياة الشقيري الشخصية نفسها حكمة وعِبر لقصة شاب تحول من تارك للصلاة حتى وصل أكثر من عقدين من العمر ومدخن شره للشيشه والتبغ إلى تائب إلى الله وداعيّة إسلامي باسلوب شيّق و جاذب ومعاصر !
ومن احدى حلقات البرنامج الرائعات التي أذكرها ما عرضه عن التعليم في اليابان ، فإن المدارس اليابانية تدرس التلاميذ حسن الخلق و التصرف بيان بالعمل اكثر منه حفظ وتلقين . لذلك لا يوجد رسوب الى السنة الثالثة اعدادي . و يقوم المدرسون و التلاميذ بتنظيف قاعة الدرس بعد انتهاء الحصة من اجل تركها نظيفة للتلاميذ الذين يدرسون فيها بعد ذلك وكذلك يقومون بتنظيف الممرات. كما يقومون بتوزيع الطعام على زملائهم من اجل تقوية روابط التعاون بينهم .
أي نعم يقوم التلاميذ بنظافة مدرستهم وفصولهم بأنفسهم وبمشاركة معلميّهم كما يقومون بتحضير وجبة إفطارهم كذلك ويتم تبادل هذه الأعباء بين المجموعات ، فهذه هي التربية والتنشئة على قيّم و مُثل ، ومن شبّ على شيء شاب عليه !
فهذه التربية والأدب ما لمسنا ثمارها بالفعل خلال مونديال البرازيل فكانت الصورة الرائعة التي شاهدناها بالأمس للمشجعين اليابانيين وهم يحملون أكياس نفايات ليقوموا ﺑﺘﻨﻈﻴﻒ ﺃﻣﺎﻛن جلوسهم بمدرجات الملعب عقب ﻣﺒﺎﺭﺍﺗﻬﻢ ﺍﻟﺘﻰ ﺧﺴﺮﻭﻫﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﺳﺎﺣﻞ ﺍﻟﻌﺎﺝ في المونديال ، كان المشهد درساً بليغاً وقوياً ومدعاة للعديد من التعليقات بمواقع التواصل الإجتماعي ، في مقارنة كُبعد السماء عن الأرض مع مشجعي الفرق في عالمنا العربي وحالهم بعد مغادرة مقاعدهم بالملاعب ولاسيما بعد خسارة فرقهم !
دعونا من أن نطمح في تنظيف مشجعي فرقنا لأماكنهم ، فقط لننظر إلى كيفية تقبل كوكب اليابان للهزيمة بصدر رحب ، دون تكسير لكراسي الملعب ، أو رمي القوارير أو الشتم واللعن والسب ، مع أن ذلك هي قيّمنا وشريعتنا ومن صميم ديننا وتعاليمنا التي أمرنا بها سيّد البشر ! .
قبل أسابيع مضت وجدت بعض العمال يحفرون بئر سايفون لإحدى العمارات المجاورة لمسجد حيّنا ، أو ينظفون واحدة مستعملة لا اعلم بالضبط ، المهم أن هؤلاء العمال قاموا بتوصيل أنبوب طويل من البئر إلى مصرف أمطار مغلق ومتسخ بالأكياس والنفايات المتطايرة يمر من امام المسجد ، والمياه تتجمع حتى أصبحت بركة آسنة داخل المصرف المغلق ، وهم غير مكترثين لما حدث ويحدث ، وهمهم كله التخلص من فائض المياه بأسهل الطرق ذهبت إليهم ناصحاً قلت : انتم الآن تتسببون في كارثة بيئية للحي تعالوا وانظروا هل هذه المياه ستتصرّف قالوا : نعلم قلت طيب هذا بيت الله مجاور لكم هل تريدونه أن يتعفن ؟ كانت إجابتهم أن صاحب العمارة هو من أمرهم وللأسف هو أيضاً يعلم أن هذه المياه ستصبح راكدة داخل المجرى مختلطة مع مابداخله من أوساخ مثيرة للروائح مسببة للبعوض والذباب ، ولكن لاشأن له بها ولا شأن لضرر ما حوله ، مادام ذلك سيوفر له تكلفة أجور العمال ونقلها والتخلص منها
هؤلاء هم نحن .. وهذا هو كوكب اليابان !!
بقلم : محمدالطاهر العيسـابـي
[email]motahir222@hotmail.com[/email]
إلى لقاء
صحيفة السوداني