– إنت هندي ؟ قايلني هندي ؟
مارأيكم لو أحكي لكم قصة عن شعب آخر تنطبق عليه نفس الصفة بطريقة أسوأ ؟ أعيروني أسماعكم لأحكي لكم :
في فترة الثانوي أدركت بأني لم أخلق للعلم والدراسة ، لهذا وبدون تردد تركت المدرسة لأنخرط في المجال الوحيد الذي أجيده .. كرة القدم .. قال لي مدرب فريق درجة ثانية الذي ألعب فيه :
– لعبك تمام يا أحمد لو استمريت كده خمسة سنة إن شاء الله حنلقاك في واحد من فرق القمة
كانت لدي خطة شيطانية للوصول للقمة بسرعة البرق ، لم أخبر بها أي أحد بل حزمت حقائبي ذات يوم وسافرت جنوبا .. لم تكن البلاد قد إنفصلت في ذلك الوقت لذلك لم يكن من الصعب العبور والوصول ليوغندا ومنها لكينيا ثم تنزانيا .. هناك بدأت مسيرتي الحقيقية .. سجلت في أحد الأندية الناشئة وحصلت على الجنسية التنزانية ، وغيرت إسمي ل ( مامادو سنكلوبا) .. صحيح إنني لم أقضي الخدمة الوطنية التنزانية ولم أدخل معسكر ( عزة تنزانيا ) ولكنهم أبدوا مرونة كبيرة خاصة بعد صعود الفريق للدرجة الممتازة بعد سنة وبلوغه دوري أبطال أفريقيا .. وفي يوم مشهود تقابلنا مع فريق (التلال ) أحد فريقي قمة بلادي القديمة في ملعب دار السلام وسحقناهم بسداسية نظيفية تحت الأمطار والطين ، أحرزت منها أنا هدفين ، وفي التسجيلات التالية مباشرة أخبرتني إدارة النادي إن فريق القمة الآخر في بلادي ( البطيخ) يريدني محترفا في صفوفه .. ضحكت في سري وأنا أتخيل عناوين الصحف الرياضيةهناك .. بلادي هي أكثر بلد تمتلك صحف رياضية في العالم .. حتى إسبانية لا تمتلك كل هذه الصحف .. عناوينها عبارة عن شجار صبية في كرة ( دافوري) والغريب إن الناس يصدقونها .. كتبت صحيفة ( إمبراطور البلد) قائلة : سنكلوبا سيسجل لنادي التلال مقابل خمسة ملايين دولار ، فردت عليها صحيفة ( ملوك المستديرة) من الناحية الأخرى : سنكلوبا وقع لنا ولا عزاء للفاشلين ، فكتبت صحيفة ( إمبراطور البلد) : سنكلوبا ماسورة .. حرب كاملة دارت على مانشيتات الصحف ومعظمها من وحي خيال الصحفيين حتى تم حسم الأمر وسجلت لصالح فريق البطيخ بعشرة ملايين دولار بعد مزاد علني على أعمدة الصحف .. الصحف في بلادي تحدد من يذهب ومن يجئ .. قبل رجوعي لبلدي أخبروني أنهم قد أستخرجوا لي الجنسية .. ضحكت مرة أخرى وأنا أضع الجنسية التي تحمل إسم مامادو والتي جاءتني في مكاني ، إلى جانب تلك التي تحمل إسم أحمد والتي حفيت قدمي في الصفوف حتى أستخرجتها فقط لأنني .. سوداني .. عقدة الأجنبي تتجلى في أنصع صورها في بلادي .. عشرة ملايين دولار لي لأنني أحرزت هدفين في الفريق الآخر ، بينما ينال اللاعب المحلي ملاليم .. لهذا ليس لدينا محترفين في أوروبا إلا الأطباء .. لهذا تتقاضى الممرضة الفلبينية في المستشفى الخاص الذي أجروا لي فيه الفحوصات الطبية ، راتبها بالدولار بينما تنال السودانية ما يمنعها فقط من أن تشحد .. لهذا يحيط بي الصحفيين وتلمع الفلاشات في وجهي بينما أصدقائي ودفعتي لا يزالون يتشاجرون حول من أخذ معجون الأسنان من دولاب الداخلية في الجامعة .. في بلادي تنعكس الآيات ويبدأ النجاح من أسفل لأعلى .. الذين يستخدمون أقدامهم ينالون المجد والمال ، أصعد لأعلى لتجد من يحملون رتبهم على أكتافهم ينالون الثروة والسلطة .. أصعد لأعلى تجد من يستخدمون حناجرهم ويغنون ينالون الأضواء .. أصعد لأعلي لتجد أن من يستخدمون عقولهم لا ينالون أي شئ .. أنا لست لاعبا خارقا والهدفين الذين سجلتهم في مرمى التلال جاءا بالصدفة ، ولكن بضعة عناوين صحفية من طراز ( سنكلوبا يقلب الهوبا ) و ( ثنائية خطيرة بين سنكلوبا وعباس جبرة ) و ( سوبر مامادو يشعل لقاء القمة ) كانت كافية لتدير روؤس الناس .. سنكلوبا .. سنكلوبا .. ثم هزيمة أفريقية جديدة وخروج مهين آخر وعناوين عن سنكلوبا الماسورة ووووو … ميزة هذا الشعب هي النسيان .. سينسوني غدا عندما يسمعون عن المحترف الجديد ( انيانكا وابولا ) أو ( تيفالا كيتا ) .. سينسونني عندما تتشاجر الصحف من جديد حول صفقة الموسم القادم .. سينسونني مع الهزيمة القديمة هذه دائرة شيطانية لا تنتهي يا أصدقاء .. لا تنتهي أبدا
تمت
الكاتب : د/ حامد موسى بشير