حتى وان حكم القضاء ولم تعد
من أصدر الأمر الكريم ومن نهى
لم يبلغوا شأواً بلغت ومالهم
حكم على سلطان البلاغة والنهى
وكم انتهت دول وولى حاكم
ومثال ما أوتيت باق وما انتهى
وإن الرئيس الغاني دكتور كوامي نكروما أُسقط حكمه في انقلاب عسكري العام 1966م متزامناً مع مقتل الرئيس أبوبكر تفاوه بليوه والسردونا أحمدو بيلو في نيجيريا. وكان نكروما مفكراً مرموقاً ارتبط بصداقة حميمة وصلة وثيقة بعدد من المفكرين ومنهم صديقه المفكر جورج بادمور وغيره وقد انشغل نكروما بعد سنوات من الاستقلال بقضايا الفكر أكثر من الاهتمام بقضايا وطنه وهموم المواطنين البسطاء وتعاقب على حكم غانا بعده عدد من الحكام العسكريين والمدنيين ولم يعد لبعضهم ذكر واسدل عليهم ستار النسيان، ولكن لا زال لاسم نكروما المفكر تقدير وسحر في غانا وغيرها ولا زال مواطنوه يقدرون دوره في مرحلة التحرير على مستوى وطنه ودوره كمفكر في مرحلة التحرر الوطني على مستوى افريقيا والعالم الثالث. وإن عدداً من قادة الأحزاب والسياسيين السودانيين لهم اسهاماتهم الفكرية بدرجات متفاوتة من حيث الكم العددي والقيمة التي تحتويها، وما قدموه يحسب لهم كمفكرين وليس لما قاموا به علاقة بتنظيماتهم وما قدموه هو جهد ذاتي خالص، وأذكر من هؤلاء على سبيل المثال دكتور حسن الترابي والأستاذ عبد الخالق محجوب والأستاذ محمد إبراهيم نقد ودكتور منصور خالد ودكتور جعفر بخيت والسيد الصادق المهدي، الذي عرف بالعطاء الجزيل الوفير عبر كتبه وأبحاثه المنشورة أوعبر الندوات التي يشترك فيها أوالمحاضرات التي يقدمها في الداخل والخارج وهي تحسب له بوصفه مفكراً ولاعلاقة لها بصفاته الأخرى كامام للانصار أو رئيس لحزب الأمة لأن ما قدمه هو نتاج جهد شخصي وليس نتاج عمل جماعي، خطط له ونفذته المؤسسات المشار إليها ويمكن أن تنطبق عليه أبيات الأستاذ الريفي آنفة الذكر، التي وجهها للمحجوب وهو بعيد عن السلطة وإن أي مراقب يلحظ أن هناك تعاطفاً عاماً معه في الداخل والخارج صحب فترة حبسه، وخشي الكثيرون أن يؤدي هذا الحبس لإجهاض الحوار الوطني الذي كان سيادته وسيظل من أهم عرَّابيه وظن بعض المنتمين للمعارضة من الرافضين للحوار، أن حبس سيادته سيلبي رغبتهم ويؤدي لدق إسفين بينه وبين النظام الحاكم وإقامة جبال من الجليد بين الطرفين ولكنه فاجأهم بأنه لا زال مع الحوار، ونحن كمواطنين نعيش في قلب الشارع ونلمس نبضه نحس بأن الوطن بحاجة لتكاتف بنيه لانتشاله من وهدته في كثير من المجالات، والشد والجذب والصراعات تضر ولا تنفع ولكن الجميع قد شبعوا حد التخمة من الكلام الكثير، وان اطروحات الجميع معلومة للكافة ولا تحتاج لاجترار وتكرار ممل.. وينبغي النفاذ للب القضايا.. والاتفاق على كيفية مشاركة الآخرين في تسيير دولتهم ووطنهم، ويمكن أن تتفرغ القوى الرافضة للحوار للمعارضة وتشترك القوى المتقاربة فكرياً في تسيير دفة الحكم، شريطة أن تشارك هذه القوى الحية ذات القواعد الجماهيرية مشاركة فعلية لا صورية ديكورية، ونأمل أن يكون لها بالتراضي وجود فاعل في المجلس الوطني القادم وفي كافة المجالس الولائية وفي المحليات، ونأمل في المرحلة القادمة أن تكون كافة المؤسسات التشريعية على المستوى الاتحادي والمستويات الولائية، مؤسسات قوية ذات أضراس وأنياب وقواطع وتراقب وتحاسب ولا تأخذها في الحق لومة لائم. ونأمل أن تشارك هذه القوى الحية مشاركة فعالة في الجهاز التنفيذي على المستوى الاتحادي والولائي وفي كافة المؤسسات العامة، وقطعاً ان مشاركة كل حزب ببضعة مئات في الأجهزة التشريعية والتنفيذية في كافة المستويات، سيضخ الحيوية في أجهزة الدولة ويجدد دماءها وحيويتها ويسهم في تقديم الخدمات والتنمية لكثير من المناطق التي تعاني من البؤس. وبالنسبة للسيد الإمام فهو أمام عدة خيارات، فإما ان يصبح زعيماً جماهيرياً له رمزيته القومية، واما ان يخوض انتخابات رئاسة الجمهورية القادمة وقطعاً سيكون منافساً حقيقياً وربما يحالفه التوفيق أو يخالفه وإذا فاز فإنه سيجد نفسه في واد وأجهزة دولة التمكين العميقة في واد آخر وتحدث ازدواجية وثنائية لن يستطيع معها أداء مهامه بسلاسة، إلا إذا انخرط فيها وأصبح جزءاً منها تسيّره ولا يسيّرها، ولكن إذا أسفر الحوار المرتقب عن اتفاق على تشكيل حكومة موسعة يرأسها رئيس وزراء فيمكن الأخذ والرد معه للوصول لحلول ترضي كافة الأطراف، إذ لا يمكن أخذ الجمل وإهمال الجمَّال أو صاحب الجمل وليس في ما ذكرته شخصنة للقضايا، ولا يمكن رهن مصير أمة بمصائر الأفراد ولكن هناك شخصيات استثنائية لا يمكن تجاوزهم في بعض المنعطفات الحرجة والظروف الاستثنائية لتنطلق المسيرة بعد ذلك في رحاب أوسع وآفاق أرحب.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش