ذات صدفة سعيدة، جمعتني زيارة اجتماعية بسيدتين .. احداهن شابة صغيرة ودودة لطيفة تدخل قلبك دون استئذان، وكانت في شهورها الاخيرة من الحمل، والاخرى سيدة اكبر منها سنا جللتها رزانة وتقل لم تمنعاها من التباسط في الحديث .. لم يلفتني دخولهن معا في البدء فقد خلتهما شقيقتين أو جارتين ترافقتا (الدرب) للزيارة ..
كان الكلام ينساب بيننا سلسا ودودا، لم استشعر فيه اي نوع التوتر او عدم الارتياح، ناهيك عن المطاعنات او الكلام (المغتغت) كحال اي حوار يجري بين الضراير، ولكن فاجأتني ربة البيت حين اخبرتني بأن ضيفتيها يتشاركن نفس السرج .. الراجل والبيت والعيشة، وتربط بينهن حبال المحنة برباط التعايش والرضا بالمقسوم من الكبيرة، والاحترام وحفظ المقام والعمل بحكمة (اقدم منك بـ يوم افهم منك بـ سنة) من الصغيرة، والتي اسمت ابنتها البكر على اسم زوجة زوجها ليس من باب البلبصة ولكن وانما من باب العرفان بجميل الاحتضان ومعاملة الابنة او الشقيقة التي قابلتها بها صاحبة الحق والعصمة الأولى ..
حقيقة، كلما (طقش) اذناي خبر تعايش ضرائر تحت سقف واحد، حتى وان كان ذاك التعايش لا يتجاوز العيش في سلام فقط، وليس بالضرورة التنعم برفاهية العيش في (وئام)، كلما اخذتني الدهشة وبرز من رأسي قرني الاستفهام .. في الزمن العلينا ده ؟؟ في ازمان غابرة كان نقول معليش، حين لم تكن النساء يستنكفن ان يعاملن بنهج (النفوس كان اتطايبت الراجل اليعرس مية)، وحين كانت القلوب متسامحة والنفوس صافية لبن، ولم توصم من ترضى بها، حضارة العصر الحديث بوصمة ارتضاء العيش في قطيع ..
حسنا يا جماعة، النصيحة لـ الله الطبيعة البشرية وفطرة المرأة تجعلها ترفض التنازل عن جزء مما تعتبره حق من حقوقها الدستورية (والمقصود هنا طبعا البعل)، وان قدّر الله لها هذا الابتلاء فانها تفضل ان يتم ذلك بعيد .. بعيد، وان تكتفي عند حدوثة بممارسة عادة النعام في دفن الراس في الرمال وتريح دماغها من الخوتة بمعرفة تفاصيل الفاجعة، فالحكمة تقول (البعيد عن العين بعيد عن القلب)، ولا يستطيع ان يتسبب له بأوجاع الغيرة المصحوبة بخمة النفس والبتباتة ..
بالمناسبة، من اجل ذلك فقط لا غير، اجد نفسي لا اشعر بالارتياح لبعض مطالبات جماعات الحقوق النسوية، التي تدعوا لالزام الازواج كـ (شرط من الشروط يكتب في القسيمة)، باعلام زوجاتهم الأول عند شروعهم في التطبيق، اسوة بغيرنا من الدول والتي اشترطت علم الزوجة الاولى ورضاها لاتمام الزيجة الثانية .. باقي لي ده فيهو اجحاف للزوجة الاولى، فهو يضعها بين ناريين أما ان تدوس على كرامتها وترضى بالامر الواقع، أو ان تصر على الرفض ومخايرة الرجل بينها وبين الأخرى، وبذلك ربما تخرب بيتها بيدها، لان الذي يبدي الرغبة في الزواج غالبا لا يستطيع التراجع للخلف وإلا عاش بقية عمره يدفع ثمن تهوره بمجرد النية .. ان جاءت القسمة بثانية فمن الأفضل لـ الأولى ان تكون بعيدة عن تفاصيلها .. (ما لا تعلمه لا يضرك)، ومن يدرينا لعل الزوج يراجع نفسه بحكم أن (القديمة تحلى ولو كانت وحلة) و(النسى قديمو تاه)، ولعله يعود وكأنه ما عمل عملة و(يمد الايد ونتسالم كأنك ما نسيتنا زمان ولا الزول القبيل قاسم) .. المطالبات دي باقي لي بتنصب في مصلحة الزوجة الثانية الساعية لشرعية العلنية والعدل والمساواة بدلا عن بهدلة المسيار ووجه النهار !!
ماعلينا، تقبلن علي يا نسوان احسن نرجع لمرجوعنا الاولاني فقد اعجبني حسن التعايش بين الضرتين .. اثنيت على الأولى لحسن تقبلها للامر واحتضانها للصغيرة وان دل ذلك على شيء فهو يدل على اصالة معدنها، كما لم يفوتني ان اشيد بالصغيرة فلو دخلت بروح الشر والطمع في المكاوشة والاستحواز لما كان الود .. ناكفتهن قبل مغادرتي بمقولة امي رحمها الله عن المعايشة بين الضرات .. فقد حكت عن حبوبة كانت تتشارك المعيشة مع ضرتها كالحال الزمان، ويحكي الناس عن محاننتهن لبعضهن ولكن في ساعات الصفاء كانت تسر لخليصاتها:
ما شفتن يا خياتي .. نتقابل بالعيون ونتضاحك بالسنون إلا الفي البطون بفور بلا عطرون !!![/JUSTIFY]
منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]