خطاب السيد رئيس الجمهورية للأمة يوم الاثنين 27 يناير 2014 بخصوص الوثبة للمرحلة الجديدة التي لا تثتسني أحداً إلا من أبى من أجل بناء نظام سياسي مستدام يأتي عبر وفاق جامع يكون نتيجةً لحوار وطني يشارك فيه الجميع هذا الخطاب يعبر عن دعوة صادقة للمشاركة في بناء الوطن عبر الاتفاق على كليات و ثوابت تكون نتيجة لهذا الحوار يتفق عليها الجميع تكون أساس لقيام دولة مستقرة تتنافس أحزابها من أجل بناء الوطن و لا تتنافر بل تتكامل في تداولٍ للسلطة من غيرهدم أو ضجر و من غير المساس بالثوابت التي يتم الاتفاق عليها عبر هذا الحوار الجامع.
هذا الخطاب حوى محاور أساسية و توصيفاً دقيقاً كان يمكن أن يكون قاعدة إنطلاق و خارطة طريق يعيها المواطن العادي و يسعى الجميع لتحقيقها ولكن متن الخطاب فارق السقف اللغوي المتعارف عليه فغدت الكلمات وعرةٌ يصعب التقاط المعاني من بين تضاريسها و أحسب أنه من الحكمة إعادة صياغة هذا الخطاب بلغة سهلة موجزة و إعادة نشره حتي يقف الجميع على محتواه ويشاركون في هذا الامر الهام للوطن حاضرة و مستقبله وفق موجهاته.من منظور قراءتي لهذا الخطاب رأيت أنه يجعل من الاصلاح السياسي لأحزابنا و نظامنا السياسي أهم محاور الوثبة بل عمودها و زانتها التي تصلُح للقفز بالوطن لفضاء الاستقرار و التقدم المستدام ويكون نموذجاً يُحتذى به في عالمنا العربي حيث فشلت كثير من المحاولات للولوج لمرحلة تداول السلطة المستدام. من هذا المنظور كانت هذه الرؤية أو المساهمة في توصيف النظام السياسي الذي يُفضي الى قيام كيانات حزبية واضحة المعالم و البرامج قوية البناء معافاة من أمراض الإبهام و التشرذم و الاختراق ويمكنها تداول السلطة بطريقة مستدامة.
توصيف و تحديد نقاط الضعف في الكيانات الحزبية القائمة و كيفية علاجها و نقاط القوة و طريقة الاستفادة منها هي مسئولية النُخب و السياسيين و العلماء و الفقهاء الذين يهمهم أمر هذا الوطن حتى يكون الولاء فقط للبرامج التي ترقى بالوطن و ليس لعصبية أو جهوية. يجب أن تتلاقح الآراء و تتكامل و لا تتنافر حتى تُفضي بهذا الوطن لنظام سياسي مستقر متصالح تعلو فيه الغيرة على السودان على الغيرة من الحزب الآخر و أن يكون العمل فيه من أجل السودان و ليس تسابقاً مع المتنافسين السياسين كما جاء في خطاب السيد رئيس الجمهورية. من هذا المنطلق أود أن أشارك بهذه الرؤية في كيفية الاصلاح السياسي.
ü أولاً :
على الجميع الاقرار بأن التنافس لخدمة الوطن و المواطن يجب أن يكون سلمياً و أن حمل السلاح أو تعويق العمل أو إتلاف المال العام أو الخاص أو السعي بالفتنة من الكبائر و أن حمل السلاح بالذات في وجه الدولة أو الأخر جريمة حرب و خيانة عظمى تقع تحت طائلة الحرابة من القانون و من لا يتخلى عن حمل السلاح و يعلن ذلك صراحة لا مقعد له في النظام السياسي الجديد.
ü ثانياً :
أري أن يقتنع السياسيون و رجالات الاحزاب الثمانين القائمة أن هذه الكثرة مؤشر مرض يجب علاجه و إن من علامة الاستقرار السياسي و إمكانية تداول السلطة أن لا يزيد عدد الاحزاب عن إثنين وهذا هو الامثل ولكن يجب أن لا تزيد عن أربعة إبتداءً حتى تستقر الحال. إن العمل على ايجاد دواعي الاستقرار المفضي لإستدامة الديمقراطية و التداول السلمي للسلطة هو واجب الجميع و أن ما رشح من إجتماعات المؤتمرات العامة و مؤتمرات الاحزاب لا يبشر بخير و أن مطلوبات الوصول للإصلاح لم تُفهم و ان الممارسات القديمة من مكايدات و تحزبات بعيداً عن الهم الاكبر ( الوطن و المواطن) مازالت هي الطاغية حتى إن بعضهم يحسب أن هنالك غنيمة يريد أن ينال منها شطراً.
يجب أن يعلم الجميع و بوضوح أن الامر أكبر من ذلك فوضع الاساس المتين لبناء الوطن و التخلي عن الادعاءات غير البناءة هما المقصد لبناء نظام ديمقراطي مستدام. أن المؤتمر الوطني يجب أن لا يتخلى عن مسئوليته وأن لا يُلحق به البعض إستقواءً أو استرضاءً و أن لا يُعطل الاستحقاقات الدستورية أنتظاراً لتصحيح الوضع الماثل ولكن يجب عليه أن يعمل بصدق و أمانة لتوفير الفضاء الصحي لبناء أحزاب منافسة قوية يمكن أن تشارك معه بندية أو تستلم منه السلطة بكاملها عبر التنافس الديمقراطي الذي إرتضاه الحزب بطرح رئيسه لهذه المبادرة.
ü ثالثاً :
هنالك حقيقة أخرى يجب أن تقال من غير تدليس أو تبسيط و هي أن الاحزاب اليسارية بقيادة الحزب الشيوعي و أحزاب البعث و الناصريين هم من الاسباب الرئيسيه لعدم الاستقرار السياسي منذ الاستقلال و الى يومنا هذا و بما أن الشيوعية قد أذهبها الله و أن الاحزاب القومية هلك عرابوها من لدن عبد الناصر و ميشيل ( محمد) عفلق و أنه لا وجود لها من الناحية الايدولوجية أو الجماهيرية إلا انها ما زالت فاعلة بسبب تنظيماتها المُحكمة و إختراقها للأحزاب الطائفية و أخطر من ذلك إستقواءها و إستصحابها للحركات المسلحة و فوق ذلك أن لها وعبر كثير من كوادرها صلات بالإستخبارات العالمية مثل CIA و الموساد و المخابرات الاوربية بل الماسونية و مايُدعى هذه الايام بمنظمات المجتمع المدني التي هي في جلها واجهات للمنظمات الظلامية تلك …هذه حقائق و ليست إتهامات.
ان العافية الظاهرة في جسد اليسار الميت دماغياً هو أنه أصبح أداة في يد هذه القوى الظلامية الجبارة تستغلها في هلعها من الاسلام وحربها له. انظر لدورهم المشين في هدم الديمقراطية منذ الجزائر 1991 الى مصر الكنانة فى يونيو2013 فهذه القوى بحكم ايديولوجيتها الهالكة و سعيها القديم لهدم الاسلام غدت أحدى أدوات النظام العالمي الكريه في حربه على الاسلام. لن تقبل الماسونية ولا المنظمات الظلامية لديمقراطية أن تلد نظاماً إسلامياً لأنهم يحسبون أن ذلك خطراً على حضارتهم و اسلوب حياتهم كما صرح بذلك بوش و فوق ذلك هي خطر على إسرائيل. إذا ما هو العلاج من هذا الداء العضال ما دام هذا هو التشخيص. أحسب أن هذه هي المعضلة التي يجب على الحوار الوطني أن يقف عندها طويلاً و أن يجد لها حلاً بعون الله و ليس ذلك على الله بعزيز.
إذاً ما هو الحل في ظل هذا الوضع المعقد هذا ما يجب على الجميع البحث عنه بصدق و تجرد و أمانة . من هذا المنظور رأيت أن أساهم بهذا التشخيص و الوصفة العلاجية التاليه هي جهد المقل.
من غير الدخول في التفاصيل و إستدعاء التاريخ و المواقف أري أن قيام نظام سياسي قوي متصالح محصن ضد إختراقات القوى الظلامية لا يتأتي الا بإجراء تغيرات رادكالية تُفضي الى أن تتجمع أحزابنا السياسية في أربع مجموعات متجانسة غير قابلة للتشظي لخامس. لبلوغ ذلك أرى أن تتكون هذه الاحزاب كالتالي:
يبقى المؤتمر الوطني كماهو وعليه إصلاح بنيته الداخلية وتحديد توجهه السياسي و نظرته الايدولوجيه الحاكمة لأعماله بضبط الممارسة بداخله بوضوح يُفضي الى إبعاد كل من لا تتسق رؤيته أو ممارساته مع برنامج الحزب. وعلى الحزب كما الاحزاب جميعاً أن تضع لنفسها التزاماً بأن لا تكون الجهوية أو القبلية أو الترضيات المرتبطة بهما معياراً للإختيار للوظائف السياسية أو المهنية و أن يكون غدوة لغيره.
الاحزاب الطائفية, الامة و الاتحادي الديمقراطي أديا دورهما خلال الفترة السابقة ولكنها لم تعد (الطائفية) تصلُح للمستقبل و هذا ما يوضحه التشرذم و التشظي المستمر في قياداتها الفاعلة و تآكل قاعدة مريديها وعليه فإنى أرى أن تنسحب الطائفتان من الفضاء السياسي إنسحاباً مدروساً حفاظاً على جوهرهما و تاريخهما و يبقى إمام الانصار و مرشد الختميه يؤديان دورهما فيما يجمع الناس و يوحدهما بعيداً عن مسرح السياسة المتغير الذي يذري بأمثالهم. أرى أن يتجمع من شاء من أعضاء هذه الاحزاب في الحزب الثاني فلنُسمة (حزب إصلاح الامة و أتحادها ) و يقوم هذا الحزب على مرجعية إسلامية واضحة كما المؤتمر الوطني و يختلف عنه في تفاصيل إدارة الشأن الاقتصادي و السياسي..الخ.
يضم هذا الحزب ذوي الميول الاسلامية من الحزبين ( الامة و الاتحادي) إضافة الى عديد الاسلاميين الذين خرجوا من المؤتمر الوطني و الاخوان المسلمين و المؤتمر الشعبي و غيرهم من الاسلاميين خارج مظلة المؤتمر الوطني. هذا الحزب يمكن أن يكون في المستقبل القريب مؤهلاً لتداول السلطة مع المؤتمر الوطني.
الحزب الثالث حزب يقوم على مرجعية تحترم الاسلام ولكن يقول بأن الدين ينتهي عند عتبة المسجد ( لاسياسة في الدين و لا دين في السياسة) كما يؤكد الحزب بأنه لن يسمح بإستباحة الخمور و الدعارة و يسعى لتشجيع المثل العليا التي تقرها الاديان و كرائم الاعراف (لأن من يُعلن مخالفة ثوابت الدين لن يجد له أنصاراً في بلاد المسلمين). هذا الحزب يمكن أن يتجمع فيه يسار حزب الامة و يسار الحزب الوطني الاتحادي و من شاء من الشيوعيين و الليبراليين و بقية أهل اليسار.
الحزب الرابع يقوم على أيدولوجية علمانية و اضحة تبعد الدين عن السياسة كليةً و يدعو للحرية الكاملة كما تنص عليها المواثيق الدولية و يدعو للإشتراكية كأساس للنظام الاقتصادي و يمكن أن يضم هذا الحزب يسار اليسار و من شاء من العلمانيين و الليبرالين و آخرين…
هنالك أساسيات أخرى يجب الالتزام بها و توصيفها من خلال وثيقة الحوار الوطني لضمان أستدامة الاستقرار السياسي:
الالتزام السياسي يجب أن لايكون مبنياً على عنصرية أو جهوية و ان لا يكون الولاء السياسي كما الولاء في الرياضة مبني على العاطفة بل على الايدولوجية و البرنامج التنفيذي و يجب عدم تشجيع قيام كيانات جديدة خارج الاربعة المذكورة.
خلال الفترة حتى الانتخابات القادمة تظل حكومة المؤتمر الوطني القائمة كما هي مسئولة عن تسيير دولاب الدولة حتى نهاية التفويض الانتخابي . الحديث عن حكومة إنتقالية أو قومية يُعطل البناء السياسي المنشود لأن الاحزاب الثمانين تريد المشاركة في هذه الحكومة و أوزانها غير معلومة مما ينتهي الى عدم الاستقرار و الفشل في بناء النظام السياسي المستدام المنشود. فقط الانتخابات هي الكفيلة بتحديد هذه الاوزان و الاتجاهات الفكرية و البرامج التنفيذية. هنا تكون أهمية الثقة بالمؤتمر الوطني في أهليته لضمان انتخابات نزيهة و الاسهام في بناء نظام سياسي مستقر و مستدام.
يجب تخصيص 10% من المقاعد البرلمانية في كل ولاية ككليات لا ينافس فيها المؤتمر الوطني لضمان و جود معارضة فاعلة و حقيقية كما يجب وضع تشريع يمنع أي نائب من الانتقال الى حزب آخر ويكون أي إنتقال يعني الاستقالة من البرلمان و ذلك من أجل ضمان الاستقرار الحزبي.
يجب الاتفاق بأن الحكم الفدرالي لا ينتج عنه هذا الترهل المُقعد في النظام الاداري و الوظائف الدستورية و المجالس التشريعية. في زمن سهولة الاتصال و الحركة يجب أن تدار الولايات بعدد قليل من الدستوريين وعدد كبير من رجالات الخدمة المدنية.
الارض و ملكيتها من المشاكل الكبيرة التى تواجه الدولة حالياً و قديماً كانت كل الارض في السودان مملوكة للدولة (ميري) ( و مازالت) حتى ولو تم التعارف بأن هنالك دار للشايقية أو دار للمساليت…الخ فذلك التقسيم كان المقصود منه إداري بحت حيث كانت هذه الحواكير تبين حدود ولاية ناظر الخط أو شيخ القبيلة. حسب الدساتير المتعاقبة أن أي سوداني له حق أمتلاك أرض للسكن و الغرس في الأرض الميري حيث شاء. وهذه الملكية أو الحيازة لها ضوابط عامه حددها الدستور و تفصيلية فصلها القانون فالحوار الوطني يجب أن يكون له مقال في هذا الامر يثبته في الدستور القادم و يفصله القانون اللاحق قتلا للجهويه التى تفتك بالبلاد و تُعطل المشاريع القومية.
يجب الاتفاق على أن الحركة الضخمة للقطيع و البشر في فيافي السودان و المعرفة بالمراحيل هي حركة سالبة من الناحية البشرية و الامنية حيث أن أعداداً ضخمة من المواطنين تفتقد الخدمات الأساسية للتحضر من تعليم و صحة و إستقرار و من الناحية الاقتصادية أن هذا القطاع الضحم مردوده الاقتصادي متواضع و من الناحية الامنية اليه تعزي كل المشاكل القائمة في دارفور و غرب كردفان. يجب أن توفر الدولة المال و التمويل لأقامة تجمعات حضرية تستوعب هؤلاء الرحل و تنمي قطيعهم تنمية نوعية تدعم تطورهم الاجتماعي و الاقتصاد القومي. و يجب وضع خطة مفصلة مع تكلفتها المالية مع سقف زمني حتى يكون السودان من غير مراحيل.
الطائفتان الختمية و الانصار انسحابهما من الفضاء السياسي فيه مصلحة كبيرة لهما و للعملية السياسية حيث يوفر لهما المناخ الصحي بتبصير الامة بالتآخي و رتق ما إنفتق خلال الفترة الماضية كما كان يفعل الشيخ عبد الرحيم البرعي رحمه الله وهذا كان منهج السيد محمد عثمان الختم رضي الله عنه في نشر الدعوة و مثله كان منهج الامام المهدي عليه السلام الذي جاء في السير أنه تبرأ من عترته ( الاشراف) خوفاً من أن يتشيع لها الناس و ترك الامر بعده مُشاعاً للأنصار من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه. أن إنتشار الوعي و المعرفة و إرتفاع مستوى المعيشة أضعف الولاء للطائفة ولم تعد الولاية العامة على المريدين مقبولة أو موجودة فالأنصار أصلاًعقب صلاة الفجر كل يوم يُشهدون الله في راتبهم بأنهم (أنصار الله). يجب أن تعود الطائفية الى أصولها وهي نشر الدعوة و إغاثة الملهوف و أصحاب الحاجة و الاصلاح بين الناس كل الناس و أن لا تتعرض لهرج و مرج السياسة.
الحزب الشيوعي و توابعه من القوى الثورية و أذرعته المسلحة من حركات نهب و مهمشين و غيرها من المسميات يجب أن تضع مصلحة الوطن و المواطن في المقدمة و تترك حمل السلاح و الارهاب و الاقتتال الذين لا يفيد منهما إلا أعداء الوطن و أعداء الاسلام الذين هم وراء نشر الفوضى و الفتن و عدم الاستقرار في كل بلاد المسلمين. إن الثمن الذي دفعه و يدفعه أهل دارفور و جبال النوبة و النيل الأزرق من نزوح و عداوات و تمزق أسري ثمن غالٍ مقابل شعارات لا ناقة لهم فيها ولاجمل كما أن الوطن كله ينزف تقتيلا لأبنائه و إهداراً لموارده على شُحها.
بالنسبة لمسئلتي الدين و الهويه فأرجو أن لا يضيع الوقت في الجدل حولهما فالدين بَين كالمحجة البيضاء له مرجعياته و علماؤه و هويتنا هي العربية بحكم اللغة الجامعة و لا عصبية فالسودانيون عرب أفارقة بحكم التمازج واللغة و أن اي جهة أو مجموعة تسعى لتطوير لغتها المحلية فلاضير لأن ذلك لا يقدح في هذه الهوية علماً بأن المطالبة بذلك غير شائعة في السودان كما الامازيغية في بلاد المغرب أو الكردية في شمال الشام و العراق.
أرجو أن تكون هذه المساهمة المتواضعة إثراءً للحوار من أجل بناء النظام السياسي المستدام تقدم جبر ضرر الوطن على جلب النفع لطائفة أو جهوية أو حزب ونسأله بكل إسم هو له أن يوحد كلمة أهل السودان و يجمع شملهم ويذهب الغل من صدورهم ويجعل جهدنا جميعاً خالصاً لوجهه وعلى الله قصد السبيل وله الامر كله و من عنده التوفيق.
ü جامعة الجزيرة – كلية الهندسة و التكنولوجيا